رحلة فى أعماق شاعر : الشاعر إيليا أبو ماضى بقلم محسن الوردانى


الشاعر اللبنانى إيليا أبو ماضى أحد أبرز شعراء المهجر فى القرن العشرين جاء إلى مصر عام 1902 بهدف التجارة والتقى بالكاتب اللبنانى انطوان جميل ودعاه انطوان للكتابة فى مجلة الزهور فبدأ فى

نشر قصائد بالمجلة . صدر له عام 1911 ديوان      تذكار الماضى هاجر عام 1912 الولايات المتحدة وأسس الرابطة القلمية  مع جبران خليل جبران وميخائيل نعمه توفى سنة 1957
يقول ايليا أبو ماضى فى قصيدته
ليس السر في السنوات
قل للذي أحصى السنين مفاخرا     يا صاح ليس السرّ في السنوات
لكنه في المرء كيف يعيشها     في يقظة ، أم في عميق سبات
قم عدّ آلاف السنين على الحصى     أتعدّ شبة فضيلة لحصاة؟
خير من الفلوات ، لا حدّ لها ،     روض أغنّ يقاس بالخطوات
كن زهرة ، أو نغمة في زهرة،     فالمجد للأزهار والنغمات
تمشي الشهور على الورود ضحوكة     وتنام في الأشواك مكتئبات
وتموت ذي للعقم قبل مماتها     وتعيش تلك الدهر في ساعات
تحصى على أهل الحياة دقائق     والدهر لا يحصى على الأموات
ألعمر ، إلاّ بالمآثر، فارغ                       كالبيت مهجورا وكالمومات
جعل السنين مجيدة وجميلة     ما في مطاويها من الحسنات
وهنا يتحدث إيليا ابو ماضى للذى يتفاخر بعمره ان الفخر ليس بالعمر ولكن كيف يعيش الانسان عمره كيف يستغله . هل يستغله فى فيما يفيد وينفع أم فيما يضر او فى الكسل والخمول فيوجد الاف الحصى

والاحجار والصحارى المترامية ولكن الحدائق لو قليلة السماحة خير من تلك الصخور والصحارى ثم يدعونا إيليا أن نكون الزهور تنشر عبيرها وروائحها فى كل الأرجاء وتنشر نغامتها حين يداعبها الهواء

و تداعبها الفراشات فالعظمة والتبجيل للأزهار وروائحها ونغماتها. ثم يأخذنا شاعرنا هل تشبيهان متضان التشبيه الأول للأيام المملوء بالفرح حيث يشببها بالشهور التى مشت على الورود وهى ضاحكة

فرحه اما الايام الحزينة المملوءة بالكآبة فهى أيام نامت فى حضن الأشواك . وهنا يدعونا للتفاؤل والبعد عن الحزن والاكتئاب  ثم يأخذنا شاعرنا للدروس المستفادة والحكم التى يحض فيها على الاستفادة من

الأيام بأن نجعل لحظاتنا مفيدة مملوءة بالمآثر . وقد أخترت هذه القصيدة تحديدا لأوجه رسالة من خلالها إلى من يعتبر الشعر هو مجرد حالة حب وهيام وعشق وغزل فقط فالشعر مجالاته كثيرة والشاعر

الجيد هو من ينوع كلماته ويشكلها كيفما شاء وقتما شاء وهنا سأختار بعض أبيات إيليا أبو ماضى فى قصائد متنوعة فيقول فى قصيدته الطلاسم يناجى البحر
إن فى صدرى يا بحر لأشرار عجابا
نزل الستر عليها وأنا كنت الحجابا
ولذا أزداد بعدا كلما أزدتت أقترابا
وأرانى كلما أوشكت أدرى ..
لست أدرى
ولا ننسى أحدى نصوصه التى درسناها من صغرنا والتى مطلعها
وتينة غضة الأفنان باسقة
قالت لأترابها والصيف يحتضر
بئس القضاء الذى فى الأرض أوجدنى
عندى الجمال وغيرى عنده النظر
لأحبسن عوارفها
فلا يبين لها فى غيرها أثر
ورغم أن معظم الشعراء يخاطب الطيور والزهور والاشجار نجد شاعرنا يشكل كلماته ليرسم مشهدا طبيعيا مخاطبا الضفادع. الضفادع !!! نعم فيقول شاعرنا
صاحت الضفادع لما شاهدت     حولها فى الماء أظلال النجوم
يارفاقى ! ياجنودى احتشدو ا     عبر الأعداء فى الليل التخوم
فاطردوهم ، واطردوا الليل معا   إنه مثلهم باغ أثيم
زعقة سار صداها فى الدجى      فإذا الشط شخوص وجسوم
وكما خاطب الضفادع تكلم على لسان الغراب فقال
قال الغراب وقد رأى كلف الورى
وهيامهم بالبلبل الصداح
لم لا تهيم بى المسامع مثله
ما الفرق بين جناحه وجناحى ؟
إنى أشد قوى وأمضى مخلبا ً
فعلام نام الناس عن تمداحى ؟
وليس عجيبا أن يشعر بالفقير ويكتب له فشاعرنا كان من عائلة بسيطة الحال واضطره الفقر إلى ترك لبنان والسفر لمصر فيصف حال الفقير
نفس أقام الحزن بين ضلوعه   فنأى بمقلته عن الاغفاء
يرعى نجوم الليل ليس به هوى  ويحاله كلفا بهن الرائى
فى قلبه نار الخليل وانما         فى وجنتيه أدمع الخنساء
قد عضه اليأس الشديد بنابه   فى نفسه والجوع فى الاحشاء
يبكى بكاء الطفل فارق أمه   ما حيلة المحزن غير بكاء
وأختم رحلتى فى أشعار إيليا أبو ماضى بان نذهب مع شاعرنا إلى فلسطين وفلسطين لها مكانة كبيرة فى قلب كل عربى يقول شاعرنا
ديار السلام وارض الهنا
يشق على الكل أن تحزنا
فخطب فلسطين خطب العلى
وما كان رزء العلى هينا
سهرنا له فكان السيوف
تحز بأكبادنا ههنا
وكيف يزور الكرى أعينا
ترى حولها للردى أعينا؟
وكيف تطيب الحياة لقوم
تسد عليهم دروب المنى ؟
حقا يا شاعرنا لأختصرت فاجدت كيف تطيب الحياة لقوم تسد عليهم دروب المنى ؟
أترون معى الجمال والحكم المتناثرة من كلمات شاعرنا الكبير .فهل نحتذى بهؤلاء ولا نفرح بكتابة قصيدة كل يوم بل يكتب أحيانا البعض كل ساعة . يجب أن نتعلم أن تكون كلماتنا بهدف وقيمة ووزن كى

تترك أثرا فيمن يقرؤها وكى نحجز مكان بين الشعراء الكبار .
 

تعليقات

المشاركات الشائعة