التخطي إلى المحتوى الرئيسي

دور حركة الترجمة فى اثراء الأدب العربى والعالمى بقلم د. طــارق رضــوان (مصر)



دور حركة الترجمة فى اثراء
الأدب العربى والعالمى

بقلم د. طــارق رضــوان (مصر)

من الموضوعات التي يتناولها الأدب المقارن موضوع الترجمة ومدى دقتها أو ابتعادها عن الأصل، وأثر ذلك على فهم مرامي المؤلف. وكلنا يحفظ المقولة الشائعة في ذلك المجال، ألا وهي أن "المترجم خائن"، بمعنى أنه لا يمكن أن ينقل لنا على وجه الدقة والقطع والتطابق المطلق ما في النص الذي ينقله إلى لغتنا مهما يكن من عبقريته وتفرده، وإنما كل ما يستطيعه أن يقلل إلى أدنى حد ممكن الفجوة القائمة بين اللغتين والعقليتين والذوقين، أو باختصار: بين الثقافتين. ذلك أن المترجم الأدبي، وهو الذي يهمنا هنا، إنما يحاول الدخول إلى عقل إنسان آخر واقتناص خواطره وانفعالاته وأفكاره ودقائق معانيه،وأنى له ذلك. أن الترجمة نوعان: ترجمة علمية، وتتطلب أقصى قدر من الحيادية والموضوعية، وترجمة أدبية، وهنا مكمن الصعوبة؛ ذلك أن النص الأدبي إنما يعكس نظرة المبدع إلى الحياة والعالم، وهي نظرة فردية ملونة تتمحور حول ذات صاحبها فتعطي النص نكهته وصوته المتفرد، فضلًا عن أن النص في حد ذاته نسيج معقد من الكلمات والروابط والتراكيب والإيقاعات والأنغام.
ومما يتناوله الأدب المقارن أيضًا كتب الرحلات؛ذلك أن هذا النوع من الكتب إذا كان يدور حول بلد أجنبي فإنه يقوم بتقديم صورة لذلك البلد وشعبه للقراء المحليين، وهذا ميدان من ميادين الأدب المقارن، ومن ذلك على سبيل المثال صورة مصر في كتابات مَن زاروها وكتبوا عنها من الأدباء الأوربيين، مثل جيرار دي نفرال وفلوبير من فرنسا، وريتشارد بيرتون وديزموند ستيورات من بريطانيا، أو صورة فرنسا في عيون الرحالة العرب، مثل رفاعة الطهطاوي وأحمد فارس الشدياق وأحمد زكي شيخ العروبة ومحمد حسين هيكل ومصطفى عبدالرزاق وطه حسين وتوفيق الحكيم ويوسف فرنسيس وغيرهم،فمثل هؤلاء الرحالة هم المرآة التي عن طريقها تعرف أممُهم البلاد والشعوب الأخرى، وإلا فمن أين يستمد القراء معلوماتهم وانطباعاتهم وأحكامهم عن تلك البلاد والشعوب؟
ومن أكثر فروع الأدب المقارن انتشارًا دراسة تأثير كاتب معين في أدب أمة أخرى،وهذا التأثير قد يكون شخصيًّا أو فنيًّا أو فكريًّا؛ إذ يمكن مثلًا دراسة أثر إبسن أو برنارد شو أو بيراندللو أو بيرخت أو يوجين يونسكو أو الكتاب الإسبان في مسرح توفيق الحكيم، وقد ندرس رواية مثل "الرباط المقدس" لتوفيق الحكيم وعلاقتها برواية "تاييس" للكاتب الفرنسي أناتول فرانس، وقد ندرس التأثير الفرنسي في أدب طه حسين، وبالذات في أعماله القصصية مثل "المعذبون في الأرض" و"شجرة البؤس" وغيرهما، أو ندرس تأثير الكاتب الفرنسي جيدي موباسان في قصص محمود تيمور...إلى آخر هذه الموضوعات التي يمكن الباحث المقارن أن يتناولها.
يجب أن يتتبع الدارس المقارن كل نوع من الأنواع الأدبية وتطوره في لغتين أو أكثر، كذلك ينبعي للدارس المقارن أن يلم بالمصادر والأصول الخاصة بموضوع البحث؛ كي يستطيع معرفة عملية التأثير والتأثر.
وهناك مجموعة من الشروط يجب توافرها فيمن يبحث في الأدب المقارن، منها: أن تتسع معارفه؛ بحيث يكون مطلعًا على جوانبَ متعددة من الثقافات التي تتصل بالآداب، وأن يعرف بعض اللغات الأجنبية؛ إذ لا يستطيع أن يعرف ما تم من تأثير وتأثر في الموضوعات التي يدرسها إلا بالاطلاع على النصوص والآثار الأدبية في لغاتها الأصلية؛ فقد ثبت أن الاعتماد على الترجمات دون الرجوع إلى الأصول كثيرًا ما يؤدي إلى أخطاء في النتائج بسبب سوء الترجمة أو تحويرها أو سهوها عن أشياء مهمة في اللغات المنقول عنها،ومعنى هذا أن من يريد معرفة تأثير الشاعر الألماني جوته في الأدباء الرومانسيين مثلًا يحتاج إلى أن يقرأ جوته في لغته الألمانية، وليس يكفيه تمامًا اللجوء إلى ما ترجم من أدبه.
وكما سبق أن وضحنا ليس شرطًا أن يدرس الأدب المقارن التأثير والتأثر بين الآداب المختلفة، فهذا إنما يشكل بعضًا من مهمته، وليس مهمته كلها،وفي هذه الحالة يكشف الأدب المقارن عن مصادر الأصالة في الأدب القومي، وما دخل عليه نتيجة تلاقحه مع الآداب الأخرى، ولا شك أن جوانب التأثر كثيرةٌ ومتعددة؛ فالأدب كائن حي، يؤثر ويتأثر، ويأخذ ويعطي، وهذه سنَّة العطاء الإنساني،وهنا يوضح الأدب المقارن خط سير الآداب في علاقاتها بالآداب الأخرى، ومدى تقاربها في الأفكار، مبينًا لنا أهمية التأثير والتأثر في تقوية الآداب المختلفة، وكذلك في العمل على تقارب الشعوب وخروجها من عزلتها،وبذلك يكون للأدب المقارن أهمية كبيرة في دراسة المجتمعات وتفهمها.
ومن الشخصيات التاريخية في الأدبين العربي والفارسي يمكن الدارس المقارن أن يذكر على سبيل المثال شخصيتي ليلى العامرية وحبيبها قيس بن الملوح المعروف بـ: "مجنون ليلى"، ولقصة حبهما حديث طويل أفاضت فيه كتب الأدب والتصوف،والمعروف أن لأحمد شوقي مسرحية عنوانها: "مجنون ليلى"، كما أن لصلاح عبدالصبور مسرحية من الشعر الحر، هي "ليلى والمجنون"، وهذه النماذج والشخصيات وغيرها لا تعدو أن تكون موضوعًا واحدًا من الموضوعات التي يمكن أن يتناولها الباحث المقارن من زاوية التأثر والتأثير بين الآداب المختلفة.
وبالمثل كان لشخصية كليوباترا حظ موفور في الآداب العالمية: ففي الأدب الفرنسي هناك مسرحية "كليوباترا الأسيرة"، التي كتبها الشاعر جوول (1532 - 1573م)، وفي الأدب الإنجليزي هناك مسرحية "كليوباترا" للشاعر صمويل دانيال (ت 1594م)،كما تناولها وليم شكسبير في مسرحيته: "أنطونيو وكليوباترا"، التي تأثر بها عدد غير قليل من المبدعين في الآداب المختلفة، وفي مصر نجد مسرحية "مصرع كليوباترا" لأحمد شوقي، الذي دافع دفاعًا مستميتًا عن تلك المرأة، جاعلاً منها ملكة وطنية تحب مصر وتعمل على صالحها وتضحي بحبها من أجلها.
ومن هذه الشخصيات كذلك شخصية "دون جوان"، التي يصعب الآن معرفة الموطن الذي نبتت فيه،وكل ما يعلمه المقارنون أن أقدم مسرحية تناولت هذه الشخصية الأسطورية هي مسرحية "ساحر إشبيلية"، التي ألفها ترسو دي مولينا (1584م - 1648م)، وتبعه جمع من كتاب أوربا وشعرائها، منهم: موليير الفرنسي، وبيرون الإنجليزي، وجولدوني الإيطالي، وهوفمان الألماني، ويرمز دون جوان إلى الإنسان المستهتر المخادع الذي لا هَمَّ له إلا التغرير بالفتيات وتحطيم قلوبهن، ثم هجرهن دون عودة، وإن كان بعض الكتاب قد صوره بصورة التائب الذي يلاحقه عذاب الضمير على ما اجترح من خطايا...إلى غير ذلك من الصور التي رسمتها أقلام الكتاب والشعراء لهذه الشخصية، كل طبقًا لرؤيته الخاصة،وقد تعرض لأسطورة دون جوان كثير من الأبحاث التي تمتاز بالغنى والدقة، ومنها البحث الذي كتبه جاندرم دي بيجوت بعنوان: "أسطورة دون جوان من أصولها إلى الرومانسية".
وتناول الدارسون المقارنون مجال أخر بالبحث وهو شخصية جحا التي تعود إلى المصادر الشعبية، وأصبحت موضوعًا تتناوله الآداب العالمية بمختلف ألوانها؛ إذ نجده في الأدب الشعبي المصري، والأدب الشعبي التركي، والأدب الشعبي القوقازي، والأدب الشعبي الفارسي... وهو في كل ذلك رمز للإنسان البسيط خفيف الظل، الذي يعبر عن رأيه في شجاعة، منتقدًا أوضاع السلطة الحاكمة الفاسدة المستبدة، حاملاً ملامح كل أمة ينتمي إليها حسبما لوحظ؛ فهو، على وجه الإجمال، خير معبر عن الوجدان الشعبي وموقفه من عصور القهر والظلم، ومن تلك النماذج أيضًا شخصية "شهر زاد" بطلة قصص "ألف ليلة وليلة"، التي نقلت إلى الآداب الأوربية، وأصبحت رمزًا للاهتداء إلى الحقيقة عن طريق القلب والعاطفة،وعن هذه القصص أيضًا انتقل موضوع "علاء الدين والمصباح السحري" إلى الآداب المختلفة،ومنها كذلك أخذ توفيق الحكيم مسرحيته: "شهر زاد" التي نشرها سنة 1934م، وطه حسين روايته: "أحلام شهر زاد"، التي رأت النور سنة 1942م.
ومن هذه النماذج أيضًا: نموذج الشيطان،وقد اتخذه الشاعر الإنجليزي جونميلتون، الذي عاش بين عامي 1608م و1674م، أساسًا لملحمته: "الفردوس المفقود"، كذلك يعبر الرومانسيون، على لسان الشيطان، عن آرائهم فيما ينتابهم من مخاوف وأحزان وشكوك،ويبدو واضحًا جليًّا أثر هذه الشخصية في الأدب الروسي الرومانسي عند ليرمنتوف في قصيدته: "الشيطان"، التي تأثر فيها، إلى حد بعيد، بالشاعر الإنجليزي بيرون، أما فيكتور هوجو فقد جعل الشيطان ممثلًا للإنسانية كلها عند ابتعادها عن الله جل وعلا، ولعباس محمود العقاد قصيدة عنوانها: "ترجمة شيطان"، تحدث فيها عن شيطان ناشئ سئم حياة الشياطين، وتاب عن صناعة الإغواء، إلا أنه لم يستطع التخلص من طبيعته الإغرائية إلى آخر الشوط، والقصيدة في مجملها تضم الكثير من آراء العقاد وتطلعاته الفلسفية التي ساقها على لسان الشيطان،وهو فيها متأثر، إلى حد كبير، بالرومانسيين الأوربيين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رحلة فى أعماق شاعر : الشاعر إيليا أبو ماضى بقلم محسن الوردانى

الشاعر اللبنانى إيليا أبو ماضى أحد أبرز شعراء المهجر فى القرن العشرين جاء إلى مصر عام 1902 بهدف التجارة والتقى بالكاتب اللبنانى انطوان جميل ودعاه انطوان للكتابة فى مجلة الزهور فبدأ فى نشر قصائد بالمجلة . صدر له عام 1911 ديوان      تذكار الماضى هاجر عام 1912 الولايات المتحدة وأسس الرابطة القلمية  مع جبران خليل جبران وميخائيل نعمه توفى سنة 1957 يقول ايليا أبو ماضى فى قصيدته ليس السر في السنوات قل للذي أحصى السنين مفاخرا     يا صاح ليس السرّ في السنوات لكنه في المرء كيف يعيشها     في يقظة ، أم في عميق سبات قم عدّ آلاف السنين على الحصى     أتعدّ شبة فضيلة لحصاة؟ خير من الفلوات ، لا حدّ لها ،     روض أغنّ يقاس بالخطوات كن زهرة ، أو نغمة في زهرة،     فالمجد للأزهار والنغمات تمشي الشهور على الورود ضحوكة     وتنام في الأشواك مكتئبات وتموت ذي للعقم قبل مماتها     وتعيش تلك الدهر في ساعات تحصى على أهل الحياة دقائق     والدهر لا يحصى على الأموات ألعمر ، إلاّ بالمآثر، فارغ                       كالبيت مهجورا وكالمومات جعل السنين مجيدة وجميلة     ما في مطاويها من الحسنات وهنا يتحدث إيليا ابو ماضى

ترجمة تلخيص مسرحية تاجر البندقيه * مع تحليل نقدى لابعاد المسرحيه بقلم د/ طارق رضوان

* ترجمة تلخيص مسرحية تاجر البندقيه * مع تحليل نقدى لابعاد المسرحيه بقلم د/ طارق رضوان في مدينة فينيسا "البندقية" بإيطاليا، كان اليهودي الجشع"شيلوك" قد جمع ثروة طائلة من المال الحرام..فقد كان يقرض الناس بالربا الفاحش..وكانت مدينة البندقية في ذلك الوقت من أشهر المدن التجارية، ويعيش فيها تجار كثيرون من المسيحيين..من بينهم تاجر شاب اسمه"انطونيو". كان "انطونيو"ذا قلب طيب كريم..وكان لا يبخل على كل من يلجأ إليه للاقتراض دون ان يحصل من المقترض على ربا او فائدة.لذلك فقد كان اليهودي "شيلوك"يكرهه ويضمر له الشر بالرغم مما كان بيديه له من نفاق واحترام مفتعل. وفي اي مكان كان يلتقي فيه "انطونيو"و"شيلوك"كان "انطونيو"يعنفه ويوبخه، بل ويبصق عليه ويتهمه بقسوة القلب والاستغلال.وكان اليهودي يتحمل هذه المهانه، وفي الوقت نفسه كان يتحين أيه فرصة تسنح له للانتقام من "انطونيو". وكان جميع اهالي "البندقية"يحبون "انطونيو" ويحترمونه لما عرف عنه من كرم وشجاعة ،كما كان له أصدقاء كثي

قصيدة (الكِرْش.. بين مدح وذمّ!)

• الكِرْشُ مفخرةُ الرجالِ، سَمَوْا به ** وتوسَّدوه، ووسَّدوه عيالا • خِلٌّ وفيٌّ لا يخونُ خليلَهُ ** في الدرب تُبصِرُ صورةً وخيالا = = = = = - الكِرْشُ شيءٌ يا صديقُ مُقزِّزٌ ** وصف البهائم، لا تكنْ دجَّالا! - وكـ "واو" عمرٍو للصديق ملازمٌ ** قد أورَثَ الخِلَّ الوفيَّ ملالا! = = = = = • يا صاح ِ، إنّي قد رضيتُ مشورةً ** إنّ المشورة ليس تعدلُ مالا • مَن للعيال مُداعِبٌ ومُؤانِسٌ ** مَن غيرُه سيُأرجِحُ الأطفالا؟ • مَن لـ "المدام" إذا الوسادُ تحجَّرتْ ** يحنو عليها خِفَّةً ودلالا؟ • مَن للطعام إذا ملأتم سُفْرةً ** حمَلَ البقيَّةَ فوقه، ما مالا؟ • مَن تستعينُ به لإطرابِ الألى ** غنَّوْا، وطبَّلَ راقصًا ميَّالا؟ = = = = = - أضحكتني؛ إذ كان قولُك ماجنًا ** وظهرتَ لي مُتهتِّكًا مُحتالا! - لكنَّه عند التحقُّق عائقٌ ** وقتَ الجهاد يُقهقِرُ الأبطالا - إنَّ النحافة في الوغى محمودةٌ ** والكِرْشُ ذُمَّ حقيقةً ومقالا - إذ صاحبُ الكرش ِ العظيم ِ لُعابُه ** إنْ أبصرَ الأكلَ المُنمَّقَ سالا = = = = = • هَبْ أنَّ ما حدَّثتني به واقعٌ ** ما ضرَّه لو