التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الناقد المغربي الكبير صالح هشام يكتب الشطب والجملة في القصة القصيرة

الناقد المغربي 
الكبير 
صالح هشام
يكتب
الشطب والجملة 
في 
القصة القصيرة 
****************************************
* دراسة نقدية : بقلم الاستاذ صالح هشام /الرباط
الشطب والجملة في القصة القصيرة / القصيرة جدا
عندما تريد زوجتي أن تشتري لباسا معينا وأكون في رفقتها أحبس أنفاسي لأن ما تقوم به يقلقني ، تطلب من صاحب الدكان أن يكدس أمامها عشرات الألبسة ،فأتضايق مكان صاحب الدكان فيقول لي لا عليك يا سيدي أتركها وشأنها ! وعندما تنتهي تقول:
- الآن سأختار ما يحلو لي ،عندما تكون الملابس معلقة لا أستطيع التركيز ! فكرت فيما قالته زوجتي : رأيتها تعطيني التقنية المفيدة والناجعة في كتابة القصة القصيرة ،كيف ذلك وما العلاقة ببن هذا وذاك ؟
وفي الكتابة القصصية تأتيك تلك الأفكار الرائعة صدفة ودون سابق إنذار كالصفعة على قفاك ،هجوم سيل من هذه الأفكارويكون أمامك دقائق معدودات لتحاصرها أو تتبخر من ذاكرتك فتطارد السراب أو خيط الدخان ،فالذاكرة لا تنتظرك لأنها ستنغلق على نفسها فتضيع منك قصة رائعة وجميلة ، لكن اذا كاتت لك حنكة الصياد ، فإنك ستتمكن من لملمة أفكارك كيفما اتفق وتستأمنها مدونة حتى لا تضيع منك ،وعند ذلك تجلس جلسة الصياد فتنتقي ما جمعته من أفكار وتعابير وتراكيب لعوية ، وترمي في البحر تلك الأفكار التي تراها تثقل شبكتك بدون فائدة ، تبدأ في عملية الطرح والزيادة أي الشطب والإضافة ، وكأنك تطرز لوحة من الفسيفساء .تضيف ما يجب إضافته وتزيل ما يمكن إزالته ،قد يقول قائل : لماذا كل هذا التعب ؟ أقول اطلعت على إبداعات بعض خيرة كتاب القصة القصيرة والرواية فاستنتجت أن الكاتب( ليس من يعرف أن يكتب بل الكاتب البارع هو الذي يتقن عملية الشطب ) وكما كان ينصحني الاستاذ محسن الطوخ ،ولكن أن لايكون الشطب مجانيا وإنما الشطب الذي يستفاد منه في تحسين التغيير ،فهناك من الرواد من كان يكتب الفصل من الرواية ثم يشطبه وهناك من كان يشطب الرواية بأكملها لأنه لم يستعذبها أولم تعجبه ، فذاكرة الإنسان عندما لا تعطيك دائما الأجود عندما تكتب !ولتؤمن بأن ذاكرتك جيدة وليس مثلها أي ذاكرة أخرى .لكن يجب أن تسايرها في هبلها مرة وفي ذكائها مرة أخرى ، فهي تلاعبك لعبة الغميضة عندما تغفو ، كالبرق تومض لك بفكرة ثم تومض بأخرى أكثرعمقا ثم تتداعى الافكار كالحائط القديم ؛ فتضطر إلى شطب أفكار والاحتفاظ بأخرى لأنك تبحث عن الأجود في الكتابة ، وقد تأتيك فكرة رائعة لكنك لا تحسن التعبير عنها أو أنها لا تقنعك ، فتمارس عملية الشطب والحذف والإضافة من جديد ! من خالال هذه المقالة أتحدي كل من يقول إنه انتهى من نصه ولو كان منشورا منذ عشرات السنين .لأ ن الذاكرة دوما تجدد أفكارها تبعا لظروف الكتابة والتفكير ! و تكون للظروف النفسية للكاتب أيضا أهمية كبرى في إعادة الكتابة ،وما دامت كتابة النص لا تنتهي أبدا فكذلك قراءاته بدورها لا تنتهي أبدا ! أما عندما تنشر النص أو تكتبه على الورق وتقول: إني أقوم باللمسات الأخيرة أو ما يسمى (الرتوش ) فإنك لاتصدق نفسك ما تقول ، فاللمسة الأخيرة في النص الإبداعي مستحيلة ،وإنما تمارس عملية التخلص من بضاعتك وتتركها للقاريء والناقد يتكفلان بها ، فلو أعدنا النظر في النصوص التي نشرناها بسنوات لاعدنا كتابتها عشرات المرات من جديد ! إذا كان هذا فما الفائدة من الشطب والحذف إذن ، الشطب يجعلك تحكم السيطرة على الجملة الشعرية ،آه عفوا القصصية ! لكن لا باس فالجملة القصصية جملة شعرية لها إيقاعها الخاص بها ولها دفقتها الشعورية ولها حيزها من البياض والسواد فهي ليست كلاما عابرا ناقلا لأفكاروانتهى ! فهذه المزايا هي التي تجعلها مخالفة للغة النثر بصفة عامة ، وإن كانت نثرية ، وإحكام السيطرة على الجملة القصصية يتجلى في عملية التشذيب ،وحسن استعمال المقص. فهي أشبه بالشجرة إذا لم تشذب فروعها لا يمكنها ان تظهر بمظهر أنيق ولائق وجمالها يتوقف على قدرة البستاني على التشذيب ! تزيل من الجملة تلك الشوائب و الأوصاف المجانية التي تثقل كاهل جملتك فتسبب لها الترهل الذي يشتت انتباه القاريء ، سأعطي مثالا قد يكون حيا لما تمت مناقشته ، جمل القصة القصيرة أشبه بوخز الإبر في دماغ القاريء ، الوخزة التي تكون ومضة برق ، لا أن تكون وخزة ثقيلة تؤديه وتؤلمه وتتعب ذوقه ، وكلما كانت الجملة جذابة كلما طمح في غيرها ، حيث تنزل عليه تلك الجمل كالقطرة الباردة تستقر في حلق محموم . فيكون السياق العام للنص حريريا ناعم الملمس يفرح فيه القاريء ويمرح دون ملل أو كلل ، أما اذا كانت غير مشذبة فانه سيعزف عن متابعة القراءة من الجملة الأولى فيتأفف ويتضجر، ويقول : أنا أبحث عن المتعة الفنية ، ولا أبحث عن (صداع الرأس ) . وهذا من حقه ، فالكتابة تقنيات فنية يجب أن يشتغل عليها الكاتب ، الشطب واجب ، وحتمي كذلك للبحث عن روابط جديدة لجملك ، فحتى تكون الجمل جميلة وجذابة لا تعمد إلى استعمال الروابط فيما بينها لفظيا فربما هذه اللفظية ،تساهم بشكل أو بآخر في إضعاف جماليات التراكيب ، قد يقول قائل فما هي الروابط التي سنوظف في الربط بين هذه الجمل في النص ؟! أقول ، إن الحنكة اللغوية ، تجعلك تتحكم في روابطك على المستوى المعنوي ،في بعض الأحيان تتحول علامات الترقيم إلى روابط ووميض الجمل في السياق العام ينير بعضها بعضا ، فتلمع هذه (الجمل/ الدرر ) على البياض كما لو كانت أضواء تصدرها تلك الهوام الليلية المضيئة في عمق العتمة ، عند ذلك تقول كتبت محاولة قصة أما القصة الحقيقية فإنها لن تكتب أبدا ، وربما لن تكون نهايتها إلا بنهاية كاتبها ، في بعض الأحيان اقرأ. بعض القصص خصوصا القصيرة جدا لأن كتابها أصبحوا كالفطريات أو أشباح منتصف الليل ، رغم أن الأغلبية الساحقة لا زالت لم تمارس هذا النوع من الكتابة ممارسة فعلية بعد ، فهي جنس سردي على مستوى التحجيم قد يكون من ثلاثة أسطر أو أربعة ، فتكتب هذه الأسطر الأربعة في ثلاث جمل أو أكثر بلغة مباشرة تثير القرف والتقزز ،فالجملة التي تتجاوز السطر تصبح عبئا ثقيلا على جماليات الكتابة ، فالقصة أشبه بالقصيدة الشعرية إذا كان السطرالشعري لا يتجاوز رؤوس الأصابع من الكلمات فكذلك جملة القصة يجب أن تكون أقرب إلى هذه اللغة الراقية التي تخضع لشطحات نفس الشاعر، فما دام الشاعر يتحكم في مساحات البياض والسواد في قصيدته فلماذا لا ينهج القاص النهج نفسه ويتحكم في جمل قصته ، فأجمل شيء في القصة هي ذلك الإيقاع الجميل الذي تحدثه وأنت تقف على جملك جملة جملة أثناء القراءة لأن كتابة قصة متعة شخصية قبل امتاع القاريء يقول "روبرت هنري" : ((لكي يكون الفنان ممتعا للآخرين لابد أن يكون ممتعا لنفسه وان يكون قادرا على الشعور المكثف والتأمل العميق )) وكاتب القصة فنان بالضرورة . فلا داعي لتوظيف الجملة التي تتعبك أثناء القراءة وأثناء الكتابة ، فالكاتب الجيد كما يقول" تولستوي " :(( إن الكاتب الجيد هو الذي يستطيع أن يكتب قصة كاملة من شجار رآه في الشارع )) ! لا تستقيم كتابة القصة القصيرة بنوعيها إلا إذا أدمنا القراءة لعباقرة الفنون السردية القصيرة ، لنستفيد من طرقهم في التعامل مع الجمل في القصة ، وإذا أحكمنا السيطرة على جملة القصة ، نكون نجحنا نسبيا في طريقة الكتابة ، وأفتح باب النقاش لنقاد القصة القصيرةلإثراء الموضوع ،والله ولي التوفيق ،
بقلم الاستاذ ~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~صالح هشام
الرباط/المغرب~~~~~~~~~~~~~~السبت ٢١\١١\٢٠١٥

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رحلة فى أعماق شاعر : الشاعر إيليا أبو ماضى بقلم محسن الوردانى

الشاعر اللبنانى إيليا أبو ماضى أحد أبرز شعراء المهجر فى القرن العشرين جاء إلى مصر عام 1902 بهدف التجارة والتقى بالكاتب اللبنانى انطوان جميل ودعاه انطوان للكتابة فى مجلة الزهور فبدأ فى نشر قصائد بالمجلة . صدر له عام 1911 ديوان      تذكار الماضى هاجر عام 1912 الولايات المتحدة وأسس الرابطة القلمية  مع جبران خليل جبران وميخائيل نعمه توفى سنة 1957 يقول ايليا أبو ماضى فى قصيدته ليس السر في السنوات قل للذي أحصى السنين مفاخرا     يا صاح ليس السرّ في السنوات لكنه في المرء كيف يعيشها     في يقظة ، أم في عميق سبات قم عدّ آلاف السنين على الحصى     أتعدّ شبة فضيلة لحصاة؟ خير من الفلوات ، لا حدّ لها ،     روض أغنّ يقاس بالخطوات كن زهرة ، أو نغمة في زهرة،     فالمجد للأزهار والنغمات تمشي الشهور على الورود ضحوكة     وتنام في الأشواك مكتئبات وتموت ذي للعقم قبل مماتها     وتعيش تلك الدهر في ساعات تحصى على أهل الحياة دقائق     والدهر لا يحصى على الأموات ألعمر ، إلاّ بالمآثر، فارغ                       كالبيت مهجورا وكالمومات جعل السنين مجيدة وجميلة     ما في مطاويها من الحسنات وهنا يتحدث إيليا ابو ماضى

ترجمة تلخيص مسرحية تاجر البندقيه * مع تحليل نقدى لابعاد المسرحيه بقلم د/ طارق رضوان

* ترجمة تلخيص مسرحية تاجر البندقيه * مع تحليل نقدى لابعاد المسرحيه بقلم د/ طارق رضوان في مدينة فينيسا "البندقية" بإيطاليا، كان اليهودي الجشع"شيلوك" قد جمع ثروة طائلة من المال الحرام..فقد كان يقرض الناس بالربا الفاحش..وكانت مدينة البندقية في ذلك الوقت من أشهر المدن التجارية، ويعيش فيها تجار كثيرون من المسيحيين..من بينهم تاجر شاب اسمه"انطونيو". كان "انطونيو"ذا قلب طيب كريم..وكان لا يبخل على كل من يلجأ إليه للاقتراض دون ان يحصل من المقترض على ربا او فائدة.لذلك فقد كان اليهودي "شيلوك"يكرهه ويضمر له الشر بالرغم مما كان بيديه له من نفاق واحترام مفتعل. وفي اي مكان كان يلتقي فيه "انطونيو"و"شيلوك"كان "انطونيو"يعنفه ويوبخه، بل ويبصق عليه ويتهمه بقسوة القلب والاستغلال.وكان اليهودي يتحمل هذه المهانه، وفي الوقت نفسه كان يتحين أيه فرصة تسنح له للانتقام من "انطونيو". وكان جميع اهالي "البندقية"يحبون "انطونيو" ويحترمونه لما عرف عنه من كرم وشجاعة ،كما كان له أصدقاء كثي

قصيدة (الكِرْش.. بين مدح وذمّ!)

• الكِرْشُ مفخرةُ الرجالِ، سَمَوْا به ** وتوسَّدوه، ووسَّدوه عيالا • خِلٌّ وفيٌّ لا يخونُ خليلَهُ ** في الدرب تُبصِرُ صورةً وخيالا = = = = = - الكِرْشُ شيءٌ يا صديقُ مُقزِّزٌ ** وصف البهائم، لا تكنْ دجَّالا! - وكـ "واو" عمرٍو للصديق ملازمٌ ** قد أورَثَ الخِلَّ الوفيَّ ملالا! = = = = = • يا صاح ِ، إنّي قد رضيتُ مشورةً ** إنّ المشورة ليس تعدلُ مالا • مَن للعيال مُداعِبٌ ومُؤانِسٌ ** مَن غيرُه سيُأرجِحُ الأطفالا؟ • مَن لـ "المدام" إذا الوسادُ تحجَّرتْ ** يحنو عليها خِفَّةً ودلالا؟ • مَن للطعام إذا ملأتم سُفْرةً ** حمَلَ البقيَّةَ فوقه، ما مالا؟ • مَن تستعينُ به لإطرابِ الألى ** غنَّوْا، وطبَّلَ راقصًا ميَّالا؟ = = = = = - أضحكتني؛ إذ كان قولُك ماجنًا ** وظهرتَ لي مُتهتِّكًا مُحتالا! - لكنَّه عند التحقُّق عائقٌ ** وقتَ الجهاد يُقهقِرُ الأبطالا - إنَّ النحافة في الوغى محمودةٌ ** والكِرْشُ ذُمَّ حقيقةً ومقالا - إذ صاحبُ الكرش ِ العظيم ِ لُعابُه ** إنْ أبصرَ الأكلَ المُنمَّقَ سالا = = = = = • هَبْ أنَّ ما حدَّثتني به واقعٌ ** ما ضرَّه لو