التخطي إلى المحتوى الرئيسي

خطوة للوراء ... القاص/أدهام نمر حريز .



خطوة للوراء ...
.............القاص/أدهام نمر حريز .
نظراتي الزائغة تتسلق جدران الغرفة الموحشة , تريد الهروب من جوها الكئيب الخانق , السعال يرتفع كنغمة تدل على قرب الاختناق .
الأفكار في راسي مزكومة بالهموم , تريد ان تتقيأ الوجع المركوم فيها منذ سنين , وقت البعد الطويل لم ينسيني فرحة اللقاء الأول .
سنوات وانا انتظر الوعد بلقاء قصير .
كل شيء سيخرج عن سيطرتي , كلماتي تخرج من فمي المرتجف المقيد بالارتباك , مشاعري تناطح كل الاتجاهات البعيدة و القريبة مني .
كل الوان اللقاء زاهية تبهج روحي , التي تغوص في بحر من الاشتياق المتعب .
- أنا كسابق عهدي , لم تغيرني السنين ابدا .
مقولتي في كل صباح لانعكاسي على مِرآتي المدمنة على اطلالتي الحزينة .
بوصلتي كانت نبضات قلبي المتسارع كلما اقتربت من مكان اللقاء , وخيالي الذي يرسم لي لقطات المشهد .
النظرات اول من يصل دائما , الخجل يفتح مصارع الأرض , اليد ترتعش وهي تلقي التحية و تتذكر اللمسه الأولى .
- تفضلي بالجلوس , اين توقفنا في اخر كلام بيننا ؟!.
- كم مضى من الوقت ؟!.
- كان في ظهيرة يوم من شهر تموز , ساخن بالشجون , من سنة 1997 , على ما اذكر .
- كل هذه السنوات مضت بسرعة هكذا ؟!.
ارخت كتفها وانزلت الحقيبة المثقلة بالذكريات و البوم الصور .
هذه صور حفلة تخرجنا من الكلية , طريق السفر البري من بغداد الى عمان طويلا جدا , كان ماطراً بدموع الفراق , يوم الرحيل عن الوطن كان داكناً , بلون قبعة شرطي الحدود في طريبيل .
-في نفسي سؤال يدور في خَلَد كل عاشق , اشتقتي لي؟! .
-كيف لا اشتاق لك , واحساس قدمي بطين جرف دجلة لا يفارقني , ولا صوت البلابل في البساتين .
صوت ضحكة خجولة مكتومة , تصدر من شفتيها المتوردتين , التي لم ينال منها الزمن .
-لاباس , نحن بها , سنعود لذلك المكان .
-لا ياعزيزي , الوضع اختلف جدا.
-كم طفل لديك الان ؟!.
-الكبرى مريم و الأصغر سامر , وانت ؟!.
-الأكبر محمد و الصغرى فاطمة .
الطريق من باب المعظم الى الباب الشرقي حيث وسط بغداد قصيرا جدا , انهى نظراتنا الظامئة بسرعة .
تقاسيم وجهها , قوامها , كان مفردة حاضرة بقوة في وجداني و هذيان امنياتي .
تمتمت بالصلاة وهي تتلمس صليبها الذي يختبى بين طيات ثيابها , وهي تمر من امام كنيسة الأرمن في ساحة الطيران , حيث تلت صلاتها الأخيرة قبل السفر .
الغداء في احد مطاعم شارع السعدون كان استراحة لخطواتنا المتعبة , وفرصة لبريق نظراتنا التي لبست ثوب العشق من جديد .
أسندت يدها على الطاولة حيث تتشابك الصحون في فوضى مقصودة , دفعتني ذكرياتنا القديمة لأمد يدي وامسك يدها المترفة بالحياة , الدافئة بالانوثة .
ما اقسى ان يولد الحب غريبا منبوذا حتى ممن يعيشون من حوله , ما تزال هذه الجملة ترن في ذهني , مالفائدة من هذا الحب ؟! الذي سينتهي بالفراق الابدي .
ابتسمت وهي تنظر في وجهي , واخذت تراقب الأرقام الالكترونية في ساعة الموبايل لتتاكد من الوقت .
-هل حان وقت الفراق اذاً؟!.
-نعم , يجب ان اودعك الان .
-هل تسميحن لي بتوصيلك ؟!.
-الفندق الذي اسكن فيه انا وزوجي و اطفالي قريبا جدا من هنا , لا داعي لان تتعب نفسك .
-هل ستعودين مرة أخرى ؟!.
-لا اعتقد هذا ابدا , اليوم انهيت كل شيء , ميراثي و ميراث اخوتي , وكل شيء يربطنا هنا , هناك حياتي و عملي و منزلي .
-والوطن ؟!.
-بربك هل عاد لنا فيه شيء غير الذكريات ؟!.
-لن تعودي مرة أخرى , الم الفراق سيسكنني الى الابد .
صافحتني للمرة الأخيرة , وكنظرة الوداع لميت وارت الحب القديم في الثرى .
بقيت جالسا في مكاني وانا اتابع خطواتها المغادرة , مذهولاً من صدمة الفراق .
........................./أدهام نمر حريز-بغداد 2016/10/23

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رحلة فى أعماق شاعر : الشاعر إيليا أبو ماضى بقلم محسن الوردانى

الشاعر اللبنانى إيليا أبو ماضى أحد أبرز شعراء المهجر فى القرن العشرين جاء إلى مصر عام 1902 بهدف التجارة والتقى بالكاتب اللبنانى انطوان جميل ودعاه انطوان للكتابة فى مجلة الزهور فبدأ فى نشر قصائد بالمجلة . صدر له عام 1911 ديوان      تذكار الماضى هاجر عام 1912 الولايات المتحدة وأسس الرابطة القلمية  مع جبران خليل جبران وميخائيل نعمه توفى سنة 1957 يقول ايليا أبو ماضى فى قصيدته ليس السر في السنوات قل للذي أحصى السنين مفاخرا     يا صاح ليس السرّ في السنوات لكنه في المرء كيف يعيشها     في يقظة ، أم في عميق سبات قم عدّ آلاف السنين على الحصى     أتعدّ شبة فضيلة لحصاة؟ خير من الفلوات ، لا حدّ لها ،     روض أغنّ يقاس بالخطوات كن زهرة ، أو نغمة في زهرة،     فالمجد للأزهار والنغمات تمشي الشهور على الورود ضحوكة     وتنام في الأشواك مكتئبات وتموت ذي للعقم قبل مماتها     وتعيش تلك الدهر في ساعات تحصى على أهل الحياة دقائق     والدهر لا يحصى على الأموات ألعمر ، إلاّ بالمآثر، فارغ                       كالبيت مهجورا وكالمومات جعل السنين مجيدة وجميلة     ما في مطاويها من الحسنات وهنا يتحدث إيليا ابو ماضى

ترجمة تلخيص مسرحية تاجر البندقيه * مع تحليل نقدى لابعاد المسرحيه بقلم د/ طارق رضوان

* ترجمة تلخيص مسرحية تاجر البندقيه * مع تحليل نقدى لابعاد المسرحيه بقلم د/ طارق رضوان في مدينة فينيسا "البندقية" بإيطاليا، كان اليهودي الجشع"شيلوك" قد جمع ثروة طائلة من المال الحرام..فقد كان يقرض الناس بالربا الفاحش..وكانت مدينة البندقية في ذلك الوقت من أشهر المدن التجارية، ويعيش فيها تجار كثيرون من المسيحيين..من بينهم تاجر شاب اسمه"انطونيو". كان "انطونيو"ذا قلب طيب كريم..وكان لا يبخل على كل من يلجأ إليه للاقتراض دون ان يحصل من المقترض على ربا او فائدة.لذلك فقد كان اليهودي "شيلوك"يكرهه ويضمر له الشر بالرغم مما كان بيديه له من نفاق واحترام مفتعل. وفي اي مكان كان يلتقي فيه "انطونيو"و"شيلوك"كان "انطونيو"يعنفه ويوبخه، بل ويبصق عليه ويتهمه بقسوة القلب والاستغلال.وكان اليهودي يتحمل هذه المهانه، وفي الوقت نفسه كان يتحين أيه فرصة تسنح له للانتقام من "انطونيو". وكان جميع اهالي "البندقية"يحبون "انطونيو" ويحترمونه لما عرف عنه من كرم وشجاعة ،كما كان له أصدقاء كثي

قصيدة (الكِرْش.. بين مدح وذمّ!)

• الكِرْشُ مفخرةُ الرجالِ، سَمَوْا به ** وتوسَّدوه، ووسَّدوه عيالا • خِلٌّ وفيٌّ لا يخونُ خليلَهُ ** في الدرب تُبصِرُ صورةً وخيالا = = = = = - الكِرْشُ شيءٌ يا صديقُ مُقزِّزٌ ** وصف البهائم، لا تكنْ دجَّالا! - وكـ "واو" عمرٍو للصديق ملازمٌ ** قد أورَثَ الخِلَّ الوفيَّ ملالا! = = = = = • يا صاح ِ، إنّي قد رضيتُ مشورةً ** إنّ المشورة ليس تعدلُ مالا • مَن للعيال مُداعِبٌ ومُؤانِسٌ ** مَن غيرُه سيُأرجِحُ الأطفالا؟ • مَن لـ "المدام" إذا الوسادُ تحجَّرتْ ** يحنو عليها خِفَّةً ودلالا؟ • مَن للطعام إذا ملأتم سُفْرةً ** حمَلَ البقيَّةَ فوقه، ما مالا؟ • مَن تستعينُ به لإطرابِ الألى ** غنَّوْا، وطبَّلَ راقصًا ميَّالا؟ = = = = = - أضحكتني؛ إذ كان قولُك ماجنًا ** وظهرتَ لي مُتهتِّكًا مُحتالا! - لكنَّه عند التحقُّق عائقٌ ** وقتَ الجهاد يُقهقِرُ الأبطالا - إنَّ النحافة في الوغى محمودةٌ ** والكِرْشُ ذُمَّ حقيقةً ومقالا - إذ صاحبُ الكرش ِ العظيم ِ لُعابُه ** إنْ أبصرَ الأكلَ المُنمَّقَ سالا = = = = = • هَبْ أنَّ ما حدَّثتني به واقعٌ ** ما ضرَّه لو