التخطي إلى المحتوى الرئيسي

جاذبيةٌ (قصةٌ قصيرة) - أحمد عبد السلام_مصر

 

اشتد الجدل فرفعتُ الجلسةَ للاستراحة، استجاب الحضور الذين أرهقهم الاجتماع الساخن، غادروا القاعة بعضهم إلى (البوفيه)، الملحق لتناول الشطائر والمشروبات، وآخرون توجهوا إلى الحديقة المجاورة، لاستنشاق النسيم العليل، بعيدًا عن هواء المكيفات الصناعية. طلبت من مساعدي أن يعيد على مسامعي، ملخص المحاضرة العلمية؛ التي دونها بطريقة الاختزال، والتي قدمَتْها على مدى الساعة الفائتة، خبيرةٌ أجنبية متخصصة في العنف والسلوك الإجرامي.

دار محور المحاضرة حول الارتباط الزمني لسلوكيات العنف، بالليالي القمرية الثلاث منتصف كل شهر عربي، بافتراض وجود قوة مغناطيسية شديدة للقمر، تتسبب في ظاهرة المد والجزر، ليس فقط في البحار والمحيطات والمسطحات المائية، بل وفي كل السوائل على سطح الكرة الأرضية، بما فيها الدماء التي تجري في عروق الكائنات الحية، حيث يرتفع معدل الأدرينالين في الدم، وتصبح كل الكائنات خلالها سريعة الغضب، شديدة الانفعال، ميالة إلى العنف الجسدي بكل صوره، بدرجات متفاوتة، وفي الحالات الشديدة، يكون هناك نهم إلى إراقة الدماء، والتلذذ بالقتل.
عرضت النظرية نتائج لحالات على مستوى العالم من العنف الأسري، والمدرسي، والمظاهرات، وحالات الشغب في السجون، والتجمعات العمالية، والطلابية، بل وبعض حالات الثورات الشعبية، والانقلابات العسكرية، وتوقيت إعلان الحروب بين الدول.
بالطبع لاقت النظرية استحسان البعض، واستهجان الآخرين، مع انتقادات لاذعة للنظرية واتهامات لصاحبتها بالجنون والخرف، وكاد أحدهم لفرط غضبه، أن يفتك بالعالمة؛ التي سارعت إلى اتخاذ سلوكه العدواني تجاهها، دليلًا على صحة نظريتها، وفي حركة مسرحية مباغتة، فتحت النافذة القريبة منها على مصراعيها، ليرى الجميع بوضوح البدر الساطع في السماء.

طالبت العالمة بالبدء فورًا في تصنيع ملابس خاصة، أشبه بملابس رواد الفضاء، وإلزام الجميع بارتدائها في الليالي القمرية، مبشرة بنتائج باهرة لسلام دائم، وحياة بلا عنف. وحذرت من خطورة التراخي والتقاعس، مع ازدياد الحالة المزرية لكوكب الأرض، بعد انتشار الملوثات البيئية، وعوادم المصانع والسيارات، واتساع ثقب الأوزون، مما يسمح بتأثير أشد للقمر، وسهولة اختراق جاذبيته للغلاف الأرضي المهترئ.
باعتباري رئيسًا للجلسة، كنت من أشد المتحمسين للنظرية، والحل المطروح للمشكلة، رحت أفند حجج المعارضين، حتى إنني استُدرِجْتُ إلى ملاسنة غير لائقة مع بعضهم، تطورت إلى اشتباك بالأيدي، وتطايرت الكراسي فوق الرؤوس. تمكن البعض من القفز من النافذة، والاتصال بالشرطة. بعد نصف ساعة طوق رجال الشرطة المكان، وألقوا القبض على الجميع.

كنت قد تمكنت من الفرار في الظلام، رددت التحية على الحراس، خرجت بسيارة المدير من البوابة الرئيسية للمبنى، قبل وصول الشرطة بدقائق. قرأت في صحف الصباح أن الشرطة داهمت اجتماعًا، لمجموعة من المرضى النفسيين بالمستشفى التخصصي، وأنهم عثروا على طاقم الأطباء مخدرين في أحد العنابر، بما فيهم مدير المستشفى وبعض الخبراء الأجانب.
ناشدت الشرطة المواطنين التعاون معها، والإبلاغ عن أي مشتبه به من المرضى الهاربين، وحذرت من سلوكهم العدواني، حيث عُثر في قاعة الاجتماع على العديد من المصابين بإصابات بالغة كما عُثر على جثة واحدة، لخبيرة أجنبية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رحلة فى أعماق شاعر : الشاعر إيليا أبو ماضى بقلم محسن الوردانى

الشاعر اللبنانى إيليا أبو ماضى أحد أبرز شعراء المهجر فى القرن العشرين جاء إلى مصر عام 1902 بهدف التجارة والتقى بالكاتب اللبنانى انطوان جميل ودعاه انطوان للكتابة فى مجلة الزهور فبدأ فى نشر قصائد بالمجلة . صدر له عام 1911 ديوان      تذكار الماضى هاجر عام 1912 الولايات المتحدة وأسس الرابطة القلمية  مع جبران خليل جبران وميخائيل نعمه توفى سنة 1957 يقول ايليا أبو ماضى فى قصيدته ليس السر في السنوات قل للذي أحصى السنين مفاخرا     يا صاح ليس السرّ في السنوات لكنه في المرء كيف يعيشها     في يقظة ، أم في عميق سبات قم عدّ آلاف السنين على الحصى     أتعدّ شبة فضيلة لحصاة؟ خير من الفلوات ، لا حدّ لها ،     روض أغنّ يقاس بالخطوات كن زهرة ، أو نغمة في زهرة،     فالمجد للأزهار والنغمات تمشي الشهور على الورود ضحوكة     وتنام في الأشواك مكتئبات وتموت ذي للعقم قبل مماتها     وتعيش تلك الدهر في ساعات تحصى على أهل الحياة دقائق     والدهر لا يحصى على الأموات ألعمر ، إلاّ بالمآثر، فارغ                       كالبيت مهجورا وكالمومات جعل السنين مجيدة وجميلة     ما في مطاويها من الحسنات وهنا يتحدث إيليا ابو ماضى

ترجمة تلخيص مسرحية تاجر البندقيه * مع تحليل نقدى لابعاد المسرحيه بقلم د/ طارق رضوان

* ترجمة تلخيص مسرحية تاجر البندقيه * مع تحليل نقدى لابعاد المسرحيه بقلم د/ طارق رضوان في مدينة فينيسا "البندقية" بإيطاليا، كان اليهودي الجشع"شيلوك" قد جمع ثروة طائلة من المال الحرام..فقد كان يقرض الناس بالربا الفاحش..وكانت مدينة البندقية في ذلك الوقت من أشهر المدن التجارية، ويعيش فيها تجار كثيرون من المسيحيين..من بينهم تاجر شاب اسمه"انطونيو". كان "انطونيو"ذا قلب طيب كريم..وكان لا يبخل على كل من يلجأ إليه للاقتراض دون ان يحصل من المقترض على ربا او فائدة.لذلك فقد كان اليهودي "شيلوك"يكرهه ويضمر له الشر بالرغم مما كان بيديه له من نفاق واحترام مفتعل. وفي اي مكان كان يلتقي فيه "انطونيو"و"شيلوك"كان "انطونيو"يعنفه ويوبخه، بل ويبصق عليه ويتهمه بقسوة القلب والاستغلال.وكان اليهودي يتحمل هذه المهانه، وفي الوقت نفسه كان يتحين أيه فرصة تسنح له للانتقام من "انطونيو". وكان جميع اهالي "البندقية"يحبون "انطونيو" ويحترمونه لما عرف عنه من كرم وشجاعة ،كما كان له أصدقاء كثي

قصيدة (الكِرْش.. بين مدح وذمّ!)

• الكِرْشُ مفخرةُ الرجالِ، سَمَوْا به ** وتوسَّدوه، ووسَّدوه عيالا • خِلٌّ وفيٌّ لا يخونُ خليلَهُ ** في الدرب تُبصِرُ صورةً وخيالا = = = = = - الكِرْشُ شيءٌ يا صديقُ مُقزِّزٌ ** وصف البهائم، لا تكنْ دجَّالا! - وكـ "واو" عمرٍو للصديق ملازمٌ ** قد أورَثَ الخِلَّ الوفيَّ ملالا! = = = = = • يا صاح ِ، إنّي قد رضيتُ مشورةً ** إنّ المشورة ليس تعدلُ مالا • مَن للعيال مُداعِبٌ ومُؤانِسٌ ** مَن غيرُه سيُأرجِحُ الأطفالا؟ • مَن لـ "المدام" إذا الوسادُ تحجَّرتْ ** يحنو عليها خِفَّةً ودلالا؟ • مَن للطعام إذا ملأتم سُفْرةً ** حمَلَ البقيَّةَ فوقه، ما مالا؟ • مَن تستعينُ به لإطرابِ الألى ** غنَّوْا، وطبَّلَ راقصًا ميَّالا؟ = = = = = - أضحكتني؛ إذ كان قولُك ماجنًا ** وظهرتَ لي مُتهتِّكًا مُحتالا! - لكنَّه عند التحقُّق عائقٌ ** وقتَ الجهاد يُقهقِرُ الأبطالا - إنَّ النحافة في الوغى محمودةٌ ** والكِرْشُ ذُمَّ حقيقةً ومقالا - إذ صاحبُ الكرش ِ العظيم ِ لُعابُه ** إنْ أبصرَ الأكلَ المُنمَّقَ سالا = = = = = • هَبْ أنَّ ما حدَّثتني به واقعٌ ** ما ضرَّه لو