القاص
عادل المعموري
يكتب
مساحــــات لوجــع قــادم _قصة قصيرة _
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
عندما يحجب الأفق ضياء الأمل ،ينسل الحزن من رتاج باب مخلوع ،ليرسم في فضاء الفقد أغنيات منسية طفت فوق مصاطب الإنتظار ..أغنيات البلابل اختنقت برماد البارود، فتاهت خطواتي وهي تولج في غمامة الفجيعة ،النعش أودعتهُ في المسجد الجامع القريب من مركز الشرطة ،الشرطي العجوز رصف التوابيت الأربعة عند الباب الرئيس وبيده ثمة أوراق وهويات ،تابوت واحد فيه جثة صديقي والباقون لاأعرفهم ..الجثة جلبتها من وحدتي العسكرية لأسلّمها الى ذويه في منطقتي السكنية ،كم توسلت بالشرطة أن يخبرون ذويه بالأمر ولكن تم رفض طلبي وأرسلوني أنا لأخبر أمه وزوجته بخبر إستشهاده في الحرب
،ليتهم يعلمون أن قلبي كقالب شمع كل يوم يذوب كلما رحل صديق لي.. كنتُ أ قاسمهُ الحرب والحب ،تلك اللحظات الأكثر إنتظارا من الغد تفتح عليّ بابا من الجحيم ،كان الفجر هو أوان وصولي ،استغرق تسليم الجثمان ساعة كاملة ،ها انني أتوجه إلى بيت صديقي، الدمعة تختصر عنفوان المسافة، ستتصحّر على شفتي أحرف الشهقة المخبوءة .. ماذا سأقول لهم ؟مؤكد أني لم أختر العبارات الصحيحة ولن أستطع أن أترجم مابداخلي كي أجعل لساني ينطق دون أن يتلعثم ..آه كم أحتاج إلى أن أبكي حتى تنفد دموعي ثم أقف أمام أمه وأخبرها دون وجل ولا خوف ،سأعترفُ لها بكل ماحدث ،
سأخبرها بما أوصاني به قبل أن يودع الحياة
،لن أخبرها بعدد الرصاصات اللائي مزقن جسده ،ولن أصف لها صرخته وهو يتلّوى فوق أكوام الشظايا الباردة وسخام الأرض ورائحة البارود النائمة على أكتاف كتل الحديد المتهرئة ،ليت المسافة تطول بيني وبين عتبة باب الفقيد ،أنا القادم من جبهة القتال تسورني الوساوس ويمزق فؤادي قلق الجواب ،دفنتُ هناك في مخبأي ذكريات مغموسة بالحب والخوف والمساءات الجميلة تحت الأقبية، تتنازعنا ضحكات طفولية ..نصنعُ الفرح بأكاليل الدم والوجع ونعطره بهلاهل تائهة تسفي فوق منحدرات الوادي وبين شجيرات الدفلى الحزينة ، طرقتُ الباب ،في الطرقة الثالثة سمعتُ صوتا خافتاُ يرد :
_من الطارق ؟اللّهم إجعلهُ خيراً ،انفتحتْ درفة الباب وأطلّتْ بوجها الملائكي ،تلتفع بفوطة بيضاء ،شهقتْ حين رأتني :
_ولدي محمود ..اعتنقتني وسحبتني إلى الداخل ،أجلستني على الأريكة في صالة صغيرة.. فيها تلك الاريكة الوحيدة ،طفحَ على وجهها فرح يحمل نسائم سرور يُرتجى ،تسألني عن أحوالي وعن ولدها وهي منهمكة بإعداد الشاي ،هرعتْ زوجة صديقي تساعدها بإعداد الشاي والإبتسامة ترتسم على ملامحها الطفولية ..يزحف طفل صغير وهو يمسك باذيال ثوبها ،
_ياحاجّة.. أرجوكِ لا أشتهي الفطور ..
_لاياولدي أنتَ تعبان وقد قطعتَ مسافة كبيرة ..لحظات ويجهز الشاي ...آثرتُ الصمت والنار الأزلية تشتعل في داخلي.. ياإلهي ويارب الأرباب كيف سأخبرها ؟غامت أزمنتي المقهورة وتشظت في فضاء حزني العميق كبئر مهجورة.. كسقط المتاع في أقبية مسجد هجروه النسّاك والمتعبدين ،طافت على مخيلتي فكرة الهروب من الباب الموارب ..فكرت أن اطلق ساقي للريح ولن أدخل هذا الزقاق أبدا ،من يوقف هذا النزيف ،من يقطّب جراح قلبي ؟يالتلك الليلة التي شنّ فيها الأوباش هجومهم على قطعاتنا العسكرية ..جاؤوا مثل الجراد يسفون خرابا ،اشتبكوا معنا بكافة الأسلحة ..أذاقونا غصص الموت تحت زناجير دباباتهم ،قتلوا منا الكثير ..قتلوا صاحبي وحبيبي سمير قال لي قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة:
_أمي وزوجتي في رقبتك ..ليس لهما غيري ..ياويلتي يوصيني وكأنني سأعمّرُ بعده ألف سنة ..ولا يدري أني لاأحمل سوى كفني وقبضة كافور ووجع تربع في الذاكرة لا ينسى أبدا مهما طال الزمن ،لا أملك الآن سوى أقدام ترتجف وفكرة وحيدة تدق على رتاج دماغي في أن أهرب ..لقد اختنقت.. أريد هواءً أتنفسه .لا طاقة لي بتلك المهمة الجبارة ،محبط أنا رغم أنفي ،قالت لي وهي تقدم لي كوب الشاي:
_ها ياولدي كيف صحة سمير؟ ..كنت قلقة عليه كان مصاباً بالزكام وظل يسعل طوال الليل قبل إلتحاقه في اليوم التالي ؟
_..........ّ!
_متى يأتي مجازاً ؟...أنا أعرف أنه يأتي بعدك في إجازته الدورية بسبعة أيام فقط ..لا.. لابأس لقد تعلّمنا على الصبر والمطاولة ..جلستْ بقربي وسكبتْ في قدحي ملعقتي سكّر وأردفت :
_إجازتكَ بعد إسبوعين تقريبا ..هل نزلتَ بمساعدة موقتة ؟
_نعم أعطوني مساعدة لمدة يومين فقط ..عندي بعض الأشغال الضرورية ..نظرتْ إلي وهي تطيل النظر بوجهي مقطبة الحاجبين وعلامة ألف سؤال ترتسم في عينيها ،تحاشيتُ النظر إليها وانحنيت على الطفلة الصغيرة التي كانت هي المولود البكر له ..قبلتها وبدأت أمسد على رأسها ..لما أطلتُ المسح على رأسها بأصابعي المرتعشة ،لمحتْ في عيني ثمة شيء لم أدرك كنهه،نهضت من جلستها وصاحت :
_آه ياولدي ..أطلقت شهقة طويلة وأمسكتْ بي من كتفي ..كنتُ ألمح الصرخة المسجونة في أعماقها ..أراها كبركان في لحظات إنفجاره الأخيرة .لم استطع السباحة ضد التيار ..لم يعد لي متسع بعد الآن ..ضاقت بي كلماتي الخرساء ونبذتني آيات الصمت الطويل .تحطمتْ سفينة صبري سأعلنها ،مدت كفها نحو فمي ،أغلقته بأصابعها الراعشة وتمتمت :
__ماتَ ولدي ..أليسَ كذلك ؟شممتُ رائحة موتهُ بثيابك ..قرأتُ استغاثته بعيونك وهو يتلوى من الوجع ..أخرس أنا في حضرة الوله القدسي ولا أملك حرفا واحدا يعلن موت شفاهي ،من بين رماد البراكين المشتعلة.. أحتاج إلى الطيران ..لم تعد ساقاي تعيناني على الهروب ،لستُ أجيب بأي كلمة مادامت الحروف مبتلّة ..فتحتُ الباب وهربتُ بكل ما أملك من بقايا ضمير ينتحب ،
أحملُ شيء في رأسي .. أبحثُ عن منفى بعيد لا ُتطالهُ تساؤلات الثكالى ولا أنين الرصاص.ليتني أترك حقائب الذاكرة على أرصفة منسية وأرحل بحثا عن مواسم فرح ..تنسيني إنشطار الحلم في الأفق المكسور .
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
عندما يحجب الأفق ضياء الأمل ،ينسل الحزن من رتاج باب مخلوع ،ليرسم في فضاء الفقد أغنيات منسية طفت فوق مصاطب الإنتظار ..أغنيات البلابل اختنقت برماد البارود، فتاهت خطواتي وهي تولج في غمامة الفجيعة ،النعش أودعتهُ في المسجد الجامع القريب من مركز الشرطة ،الشرطي العجوز رصف التوابيت الأربعة عند الباب الرئيس وبيده ثمة أوراق وهويات ،تابوت واحد فيه جثة صديقي والباقون لاأعرفهم ..الجثة جلبتها من وحدتي العسكرية لأسلّمها الى ذويه في منطقتي السكنية ،كم توسلت بالشرطة أن يخبرون ذويه بالأمر ولكن تم رفض طلبي وأرسلوني أنا لأخبر أمه وزوجته بخبر إستشهاده في الحرب
،ليتهم يعلمون أن قلبي كقالب شمع كل يوم يذوب كلما رحل صديق لي.. كنتُ أ قاسمهُ الحرب والحب ،تلك اللحظات الأكثر إنتظارا من الغد تفتح عليّ بابا من الجحيم ،كان الفجر هو أوان وصولي ،استغرق تسليم الجثمان ساعة كاملة ،ها انني أتوجه إلى بيت صديقي، الدمعة تختصر عنفوان المسافة، ستتصحّر على شفتي أحرف الشهقة المخبوءة .. ماذا سأقول لهم ؟مؤكد أني لم أختر العبارات الصحيحة ولن أستطع أن أترجم مابداخلي كي أجعل لساني ينطق دون أن يتلعثم ..آه كم أحتاج إلى أن أبكي حتى تنفد دموعي ثم أقف أمام أمه وأخبرها دون وجل ولا خوف ،سأعترفُ لها بكل ماحدث ،
سأخبرها بما أوصاني به قبل أن يودع الحياة
،لن أخبرها بعدد الرصاصات اللائي مزقن جسده ،ولن أصف لها صرخته وهو يتلّوى فوق أكوام الشظايا الباردة وسخام الأرض ورائحة البارود النائمة على أكتاف كتل الحديد المتهرئة ،ليت المسافة تطول بيني وبين عتبة باب الفقيد ،أنا القادم من جبهة القتال تسورني الوساوس ويمزق فؤادي قلق الجواب ،دفنتُ هناك في مخبأي ذكريات مغموسة بالحب والخوف والمساءات الجميلة تحت الأقبية، تتنازعنا ضحكات طفولية ..نصنعُ الفرح بأكاليل الدم والوجع ونعطره بهلاهل تائهة تسفي فوق منحدرات الوادي وبين شجيرات الدفلى الحزينة ، طرقتُ الباب ،في الطرقة الثالثة سمعتُ صوتا خافتاُ يرد :
_من الطارق ؟اللّهم إجعلهُ خيراً ،انفتحتْ درفة الباب وأطلّتْ بوجها الملائكي ،تلتفع بفوطة بيضاء ،شهقتْ حين رأتني :
_ولدي محمود ..اعتنقتني وسحبتني إلى الداخل ،أجلستني على الأريكة في صالة صغيرة.. فيها تلك الاريكة الوحيدة ،طفحَ على وجهها فرح يحمل نسائم سرور يُرتجى ،تسألني عن أحوالي وعن ولدها وهي منهمكة بإعداد الشاي ،هرعتْ زوجة صديقي تساعدها بإعداد الشاي والإبتسامة ترتسم على ملامحها الطفولية ..يزحف طفل صغير وهو يمسك باذيال ثوبها ،
_ياحاجّة.. أرجوكِ لا أشتهي الفطور ..
_لاياولدي أنتَ تعبان وقد قطعتَ مسافة كبيرة ..لحظات ويجهز الشاي ...آثرتُ الصمت والنار الأزلية تشتعل في داخلي.. ياإلهي ويارب الأرباب كيف سأخبرها ؟غامت أزمنتي المقهورة وتشظت في فضاء حزني العميق كبئر مهجورة.. كسقط المتاع في أقبية مسجد هجروه النسّاك والمتعبدين ،طافت على مخيلتي فكرة الهروب من الباب الموارب ..فكرت أن اطلق ساقي للريح ولن أدخل هذا الزقاق أبدا ،من يوقف هذا النزيف ،من يقطّب جراح قلبي ؟يالتلك الليلة التي شنّ فيها الأوباش هجومهم على قطعاتنا العسكرية ..جاؤوا مثل الجراد يسفون خرابا ،اشتبكوا معنا بكافة الأسلحة ..أذاقونا غصص الموت تحت زناجير دباباتهم ،قتلوا منا الكثير ..قتلوا صاحبي وحبيبي سمير قال لي قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة:
_أمي وزوجتي في رقبتك ..ليس لهما غيري ..ياويلتي يوصيني وكأنني سأعمّرُ بعده ألف سنة ..ولا يدري أني لاأحمل سوى كفني وقبضة كافور ووجع تربع في الذاكرة لا ينسى أبدا مهما طال الزمن ،لا أملك الآن سوى أقدام ترتجف وفكرة وحيدة تدق على رتاج دماغي في أن أهرب ..لقد اختنقت.. أريد هواءً أتنفسه .لا طاقة لي بتلك المهمة الجبارة ،محبط أنا رغم أنفي ،قالت لي وهي تقدم لي كوب الشاي:
_ها ياولدي كيف صحة سمير؟ ..كنت قلقة عليه كان مصاباً بالزكام وظل يسعل طوال الليل قبل إلتحاقه في اليوم التالي ؟
_..........ّ!
_متى يأتي مجازاً ؟...أنا أعرف أنه يأتي بعدك في إجازته الدورية بسبعة أيام فقط ..لا.. لابأس لقد تعلّمنا على الصبر والمطاولة ..جلستْ بقربي وسكبتْ في قدحي ملعقتي سكّر وأردفت :
_إجازتكَ بعد إسبوعين تقريبا ..هل نزلتَ بمساعدة موقتة ؟
_نعم أعطوني مساعدة لمدة يومين فقط ..عندي بعض الأشغال الضرورية ..نظرتْ إلي وهي تطيل النظر بوجهي مقطبة الحاجبين وعلامة ألف سؤال ترتسم في عينيها ،تحاشيتُ النظر إليها وانحنيت على الطفلة الصغيرة التي كانت هي المولود البكر له ..قبلتها وبدأت أمسد على رأسها ..لما أطلتُ المسح على رأسها بأصابعي المرتعشة ،لمحتْ في عيني ثمة شيء لم أدرك كنهه،نهضت من جلستها وصاحت :
_آه ياولدي ..أطلقت شهقة طويلة وأمسكتْ بي من كتفي ..كنتُ ألمح الصرخة المسجونة في أعماقها ..أراها كبركان في لحظات إنفجاره الأخيرة .لم استطع السباحة ضد التيار ..لم يعد لي متسع بعد الآن ..ضاقت بي كلماتي الخرساء ونبذتني آيات الصمت الطويل .تحطمتْ سفينة صبري سأعلنها ،مدت كفها نحو فمي ،أغلقته بأصابعها الراعشة وتمتمت :
__ماتَ ولدي ..أليسَ كذلك ؟شممتُ رائحة موتهُ بثيابك ..قرأتُ استغاثته بعيونك وهو يتلوى من الوجع ..أخرس أنا في حضرة الوله القدسي ولا أملك حرفا واحدا يعلن موت شفاهي ،من بين رماد البراكين المشتعلة.. أحتاج إلى الطيران ..لم تعد ساقاي تعيناني على الهروب ،لستُ أجيب بأي كلمة مادامت الحروف مبتلّة ..فتحتُ الباب وهربتُ بكل ما أملك من بقايا ضمير ينتحب ،
أحملُ شيء في رأسي .. أبحثُ عن منفى بعيد لا ُتطالهُ تساؤلات الثكالى ولا أنين الرصاص.ليتني أترك حقائب الذاكرة على أرصفة منسية وأرحل بحثا عن مواسم فرح ..تنسيني إنشطار الحلم في الأفق المكسور .
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا رأيك فى موضوعاتنا .