التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الحُب الحقيقيُ احتراقٌ بقلم هند العميد



قصة قصيرة بعنوان:

الحُب الحقيقيُ احتراقٌ

في صباح يُجبرُ على التفاؤل به لقلّة الخيارات، قاصدون لمقاصدَ مُتباينةٍ، يقفون عند نُقطةِ انتظارٍ واحدةٍ، عيونهم مُتسمّرة تكاد تفك شفْرةَ السرابِ للتأكّد من قدوم الباص أو عدمه. لا يحتاج من في آخر الصف إلى الاستفهام عن قدومه، فهرولة المنتظرين والتزاحم كفيلان بأنْ يُعلمان الضرير بما يحدث.
امرأةٌ عجوز يكاد الجميع يحسدها، حتى تلك العشرينية التي تستغرق ساعات من الوقت لترتيب زينتها، لكون احترام الكبير شيئاً لا يُنكرُ في مجتمعاتنا الشرقية، لذا سيكون مقعدها محجوزاً سلفاً.
وبعد غربلة الموقف وصعود عدد من المُحاربينَ إلى داخل الباص، اكتفى الكثير منهم بالوقوف على أمل أنْ ينالوا نصيباً مما نالتهُ الجدّةُ من أحد الشباب، حين منحها مكانهُ ممتناً لعنفوان شبابه، لتبدأ بإزعاج رجلٍ خمسيني جالس بجانب مقعدها، حين أقحمتْ رأسهُ بتفاصيلَ لماضيِ أجيالٍ قد أكل الزمان عليها وشرب، حتى استوقفتها عبارةٌ قالها الخمسيني، لتبدأ رحلة أخرى من الحديث قسري الإصغاء:
- هل قُلتَ إنَّ الناس - الآن - يمتازون عن الماضي بأنهم يُحبون بحريةٍ أكبرَ وتضحيةٍ أصدقَ؟؟!
- نعم.. ففي السابق كان الحُب وقصص الغرام تقتصر على أبيات قصائد الغزل أو لقطات فيلم يُعرض على شاشات دور السينما.
قالت وهي ترفعُ حاجبيها بتركيز يمتزج بدهشة من كلام الخمسيني:
- والآن؟؟
- الآن أصبح الحُب سبباً عميقاً لإيجاد العذر لمن يتخبّط في حياتهِ تائهاً باحثاً عن سبيل ليجتمع بمن أحبه وللتضحية بالغالي والنفيس من أجله.
- يا ولدي! قديماً كان الحُب احتراماً وتضحية. فكم من امرأة مُدللة عند أهلِها تجرّعتْ المُرَّ والويل لأجلِ زوجها، وكم من فارس ترجّلَ عن مُهرته طلباً للقمة عيشٍ كريمة لأهلهِ.
ابتسم الخمسيني من مُقارنات الجدّة، وكأنَّ الفارقَ بينهما مائة عام من التفكير والقناعة، ثم راح يتبجّح متفاخراً بحب حياتهِ - كما اسماها - حين قال:
- وأنا لدي تلكَ المُحبِّةُ التي تعشقُني بجنون، والتي ينقطع توالي نفسُها إنْ غبتُ عنها، لذلكَ سأُسافرُ إليها لنبدأ حياتنا سويةً ولنكمل ما فاتنا من عمرينا.
- هل قلتَ: أُسافر؟!
عقدتْ حاجبيها مُستفهمةً:
- وفي أي أرضٍ غُرِسَتْ وردتك؟
أجابها بابتسامة عريضة:
- في (احدى الدول العربية).
ثم استأنف قائلاً:
- أرضُ العراق محرقةٌ - كما تعلمين - وحبيبتي تخاف العيش فيها لذا سأحلِّقُ بجناحَي العشقِ إليها.
قالت وهي مُندهشة من تخطي قطار عمره محطات الحكمة من دون أنْ ينال منها نصيباً:
- أوليس الحبُ والعشقُ تضحيةً؟!
قال وبانتشاء مفضوح:
- بلى..إنه كذلك.
استأنفتْ باستفهام:
- إذن أين تضحيتها في حبها لكَ، وقد رفضتْ الاحتراق معكَ في أرضك؟!!
هند العميد / العراق/٣/٧/٢٠١٧

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رحلة فى أعماق شاعر : الشاعر إيليا أبو ماضى بقلم محسن الوردانى

الشاعر اللبنانى إيليا أبو ماضى أحد أبرز شعراء المهجر فى القرن العشرين جاء إلى مصر عام 1902 بهدف التجارة والتقى بالكاتب اللبنانى انطوان جميل ودعاه انطوان للكتابة فى مجلة الزهور فبدأ فى نشر قصائد بالمجلة . صدر له عام 1911 ديوان      تذكار الماضى هاجر عام 1912 الولايات المتحدة وأسس الرابطة القلمية  مع جبران خليل جبران وميخائيل نعمه توفى سنة 1957 يقول ايليا أبو ماضى فى قصيدته ليس السر في السنوات قل للذي أحصى السنين مفاخرا     يا صاح ليس السرّ في السنوات لكنه في المرء كيف يعيشها     في يقظة ، أم في عميق سبات قم عدّ آلاف السنين على الحصى     أتعدّ شبة فضيلة لحصاة؟ خير من الفلوات ، لا حدّ لها ،     روض أغنّ يقاس بالخطوات كن زهرة ، أو نغمة في زهرة،     فالمجد للأزهار والنغمات تمشي الشهور على الورود ضحوكة     وتنام في الأشواك مكتئبات وتموت ذي للعقم قبل مماتها     وتعيش تلك الدهر في ساعات تحصى على أهل الحياة دقائق     والدهر لا يحصى على الأموات ألعمر ، إلاّ بالمآثر، فارغ                       كالبيت مهجورا وكالمومات جعل السنين مجيدة وجميلة     ما في مطاويها من الحسنات وهنا يتحدث إيليا ابو ماضى

ترجمة تلخيص مسرحية تاجر البندقيه * مع تحليل نقدى لابعاد المسرحيه بقلم د/ طارق رضوان

* ترجمة تلخيص مسرحية تاجر البندقيه * مع تحليل نقدى لابعاد المسرحيه بقلم د/ طارق رضوان في مدينة فينيسا "البندقية" بإيطاليا، كان اليهودي الجشع"شيلوك" قد جمع ثروة طائلة من المال الحرام..فقد كان يقرض الناس بالربا الفاحش..وكانت مدينة البندقية في ذلك الوقت من أشهر المدن التجارية، ويعيش فيها تجار كثيرون من المسيحيين..من بينهم تاجر شاب اسمه"انطونيو". كان "انطونيو"ذا قلب طيب كريم..وكان لا يبخل على كل من يلجأ إليه للاقتراض دون ان يحصل من المقترض على ربا او فائدة.لذلك فقد كان اليهودي "شيلوك"يكرهه ويضمر له الشر بالرغم مما كان بيديه له من نفاق واحترام مفتعل. وفي اي مكان كان يلتقي فيه "انطونيو"و"شيلوك"كان "انطونيو"يعنفه ويوبخه، بل ويبصق عليه ويتهمه بقسوة القلب والاستغلال.وكان اليهودي يتحمل هذه المهانه، وفي الوقت نفسه كان يتحين أيه فرصة تسنح له للانتقام من "انطونيو". وكان جميع اهالي "البندقية"يحبون "انطونيو" ويحترمونه لما عرف عنه من كرم وشجاعة ،كما كان له أصدقاء كثي

قصيدة (الكِرْش.. بين مدح وذمّ!)

• الكِرْشُ مفخرةُ الرجالِ، سَمَوْا به ** وتوسَّدوه، ووسَّدوه عيالا • خِلٌّ وفيٌّ لا يخونُ خليلَهُ ** في الدرب تُبصِرُ صورةً وخيالا = = = = = - الكِرْشُ شيءٌ يا صديقُ مُقزِّزٌ ** وصف البهائم، لا تكنْ دجَّالا! - وكـ "واو" عمرٍو للصديق ملازمٌ ** قد أورَثَ الخِلَّ الوفيَّ ملالا! = = = = = • يا صاح ِ، إنّي قد رضيتُ مشورةً ** إنّ المشورة ليس تعدلُ مالا • مَن للعيال مُداعِبٌ ومُؤانِسٌ ** مَن غيرُه سيُأرجِحُ الأطفالا؟ • مَن لـ "المدام" إذا الوسادُ تحجَّرتْ ** يحنو عليها خِفَّةً ودلالا؟ • مَن للطعام إذا ملأتم سُفْرةً ** حمَلَ البقيَّةَ فوقه، ما مالا؟ • مَن تستعينُ به لإطرابِ الألى ** غنَّوْا، وطبَّلَ راقصًا ميَّالا؟ = = = = = - أضحكتني؛ إذ كان قولُك ماجنًا ** وظهرتَ لي مُتهتِّكًا مُحتالا! - لكنَّه عند التحقُّق عائقٌ ** وقتَ الجهاد يُقهقِرُ الأبطالا - إنَّ النحافة في الوغى محمودةٌ ** والكِرْشُ ذُمَّ حقيقةً ومقالا - إذ صاحبُ الكرش ِ العظيم ِ لُعابُه ** إنْ أبصرَ الأكلَ المُنمَّقَ سالا = = = = = • هَبْ أنَّ ما حدَّثتني به واقعٌ ** ما ضرَّه لو