[...إن
الأمم العظيمة هي التي تصنع تاريخها بنفسها ولا تترك هذه المهمة لأحد
غيرها وكأنها إنسان قاصر يحتاج إلى أوصياء عليه يديرون له شؤون حياته. ولقد
بلغت أمتنا سن الرشد وفيها من أصحاب الفكر والوعي والعلم والقيم السامية
والضمائر الحية ما يؤهلها لتولي زمام أمورها بنفسها، بل لتولي زمام أمور
البشرية كلها وقيادتها في طريق الأخلاق الكريمة والقيم الفاضلة بعد أن
قادتها الأخلاق (الميكيافيلية والبراغماتية) سياسياً واجتماعياً وخلقياً،
فكانت النتيجة ما نراه من شيوع الثقافات ذات القيم المادية
والاستهلاكية التي أدت إلى ما نشاهده الآن من انحلال أخلاقي وتفسخ أسري
باسم الحرية المطلقة التي تعتبر الإنسان ذا بعد واحد مادي ولا تعترف أن له
بعداً روحياً مرتبطاً بمنظومة من القيم الأخلاقية والإيمانية. وفي الحقيقة
فإن تلك الأخلاق أجدر أن توصف (باللاأخلاق) الميكيافيلية والبراغماتية،
لأنه جرى الفصل فيها بين السياسة والأخلاق، ثم بين الحياة وبين الأخلاق
والقيم النبيلة كلها. ولهذا فلا نبالغ إذا قلنا بأن منظومة القيم عندنا هي
المؤهلة لقيادة العالم في الطريق إلى استرداد وعيه ببعده الإنساني النبيل،
ولوضع حد للهمجيّة السياسية والانحلال الاجتماعي والأخلاقي الذي يطغى على
العالم في ظل القيم والمفاهيم التي حولت الحرية الشخصية إلى حرية مطلقة
ومتحللة من أي قيد أو قانون حتى التقت مع مفاهيم الفوضوية أو تحولت إليها
في كل الممارسات بدءاً بالسياسة وبالمعاملات والعلاقات الاقتصادية
والثقافية والاجتماعية عامة (وخصوصاً ما يتعلق بالعلاقات الحرة من كل قيد
بين الرجل والمرأة) وغيرها وغيرها.. من هذه الفوضى الشاملة التي أدت إلى
كسر الأنظمة والقوانين الفكرية والاجتماعية والثقافية والدينية أو إلى
إلغائها تماماً، حيث عاد الإنسان مقياس الأشياء كلها كما كان في زمن
الوثنية الإغريقية وفلاسفتها.]
[مقتطف من كتابي: (فلسفة الثوابت العربية ـ العرب وصناعة التاريخ) وهو الكتاب التاسع من سلسلة الحضارة والفكر ـ دار أمواج ـ 2013م (ص 305)]
[مقتطف من كتابي: (فلسفة الثوابت العربية ـ العرب وصناعة التاريخ) وهو الكتاب التاسع من سلسلة الحضارة والفكر ـ دار أمواج ـ 2013م (ص 305)]
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا رأيك فى موضوعاتنا .