التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الهاربُ (قصةٌ قصيرةٌ) بقلم أحمد عبد السلام - مصر

الهاربُ (قصةٌ قصيرةٌ)
أسلمتهم وديعتَها ثم أسلمتِ الروح، فرَّتْ به من أقاصي الصعيد، قطعت الفيافي والقفار، لو أمكنها أن تخفيه بين جفنيها وتطبقهما عليه؟ ما ذنبه أن يؤخذ بجريرة أبيه؟ بل ما ذنب أبيه أن يؤخذ بجريرة آبائه الأقدمين؟
ذاق اليُتم صبيًّا، ترعرع في أحضان خال؛ هجر البلدة صغيرًا حتى نُسِي، للخال أربع بنات يصغرنه بسنوات، قمرات الدجى وشموس النهار، نشأن عفيفات حافظات، عاش بينهن أخًا خامسًا، يغض الطرف عنهن، يغار عليهن من النسيم العليل، يُتحفهن بما يصل إلى كفه من مال، أُفردتْ له غرفةٌ قصيةٌ بحمام خاص، تعلم ميكانيكا السيارات حتى بزَّ أقرانه، اعتاد السفر لشهور عدة، يرجع بعدها فيجد غرفته مهيأة كأنما غادرها بالأمس، السرير مفروش، الثياب نظيفة مكوية، الهواء معطر، يمكث زمنًا يطمئن فيه على أحوالهن، وعلى خاله الطيب؛ الراقد من سنين بعد وفاة زوجته، ثم يعاود السفر، اختفى فترات طويلة حتى خُشِي عليه، كلما رجع افتقد إحداهن، طارت اليمامات تباعًا إلى أعشاشهن الجديدة، ولم يبق منهن إلا الصغرى، لسانه معقود كلما هم بمفاتحة خاله، ارتج عليه القول وهو الخطيب الفصيح، لم يشأ الخال الطيب أنْ يُعنِته، يطول صمته ويزداد حرجه، يسافر فيواصل الغياب، يعود بعد سنوات ليجد البيت موحشًا، مات الخال الطيب، طارت اليمامة الأخيرة، الغريب أنَّ حجرته كانت كالعهد بها دائمًا نظيفة ومعطرة، سمع جلبة فخرج يستطلع الأمر، استقبله حفنة من الأطفال يلهون، كانت بنات خاله قد تواعدن على المجئ هذا اليوم لتنظيف البيت، رحبن به، لم يجدها بينهن، ولم يجرؤ على السؤال عنها، ترامى إلى سمعه بعض حديثهن، الصغرى تأيمت منذ شهور، وشارفت عدتها في بيت الزوجية على الانتهاء، تركَنَ عنده طعامًا شهيًّا، وعدن إلى أزواجهن، عاد هو إلى صمته ووحدته. لم يطل تردده هذه المرة، حسم أمره، سيتزوجها ويستقر، قطع تفكيره طرقات عنيفة وأصواتٌ منكرة، ثم ساد الصمت الموحش، أخيرًا قنصته رصاصات الثأر، تلك التي ضلت طريقها إليه ثلاثين عامًا.
أحمد عبد السلام - مصر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رحلة فى أعماق شاعر : الشاعر إيليا أبو ماضى بقلم محسن الوردانى

الشاعر اللبنانى إيليا أبو ماضى أحد أبرز شعراء المهجر فى القرن العشرين جاء إلى مصر عام 1902 بهدف التجارة والتقى بالكاتب اللبنانى انطوان جميل ودعاه انطوان للكتابة فى مجلة الزهور فبدأ فى نشر قصائد بالمجلة . صدر له عام 1911 ديوان      تذكار الماضى هاجر عام 1912 الولايات المتحدة وأسس الرابطة القلمية  مع جبران خليل جبران وميخائيل نعمه توفى سنة 1957 يقول ايليا أبو ماضى فى قصيدته ليس السر في السنوات قل للذي أحصى السنين مفاخرا     يا صاح ليس السرّ في السنوات لكنه في المرء كيف يعيشها     في يقظة ، أم في عميق سبات قم عدّ آلاف السنين على الحصى     أتعدّ شبة فضيلة لحصاة؟ خير من الفلوات ، لا حدّ لها ،     روض أغنّ يقاس بالخطوات كن زهرة ، أو نغمة في زهرة،     فالمجد للأزهار والنغمات تمشي الشهور على الورود ضحوكة     وتنام في الأشواك مكتئبات وتموت ذي للعقم قبل مماتها     وتعيش تلك الدهر في ساعات تحصى على أهل الحياة دقائق     والدهر لا يحصى على الأموات ألعمر ، إلاّ بالمآثر، فارغ                       كالبيت مهجورا وكالمومات جعل السنين مجيدة وجميلة     ما في مطاويها من الحسنات وهنا يتحدث إيليا ابو ماضى

ترجمة تلخيص مسرحية تاجر البندقيه * مع تحليل نقدى لابعاد المسرحيه بقلم د/ طارق رضوان

* ترجمة تلخيص مسرحية تاجر البندقيه * مع تحليل نقدى لابعاد المسرحيه بقلم د/ طارق رضوان في مدينة فينيسا "البندقية" بإيطاليا، كان اليهودي الجشع"شيلوك" قد جمع ثروة طائلة من المال الحرام..فقد كان يقرض الناس بالربا الفاحش..وكانت مدينة البندقية في ذلك الوقت من أشهر المدن التجارية، ويعيش فيها تجار كثيرون من المسيحيين..من بينهم تاجر شاب اسمه"انطونيو". كان "انطونيو"ذا قلب طيب كريم..وكان لا يبخل على كل من يلجأ إليه للاقتراض دون ان يحصل من المقترض على ربا او فائدة.لذلك فقد كان اليهودي "شيلوك"يكرهه ويضمر له الشر بالرغم مما كان بيديه له من نفاق واحترام مفتعل. وفي اي مكان كان يلتقي فيه "انطونيو"و"شيلوك"كان "انطونيو"يعنفه ويوبخه، بل ويبصق عليه ويتهمه بقسوة القلب والاستغلال.وكان اليهودي يتحمل هذه المهانه، وفي الوقت نفسه كان يتحين أيه فرصة تسنح له للانتقام من "انطونيو". وكان جميع اهالي "البندقية"يحبون "انطونيو" ويحترمونه لما عرف عنه من كرم وشجاعة ،كما كان له أصدقاء كثي

قصيدة (الكِرْش.. بين مدح وذمّ!)

• الكِرْشُ مفخرةُ الرجالِ، سَمَوْا به ** وتوسَّدوه، ووسَّدوه عيالا • خِلٌّ وفيٌّ لا يخونُ خليلَهُ ** في الدرب تُبصِرُ صورةً وخيالا = = = = = - الكِرْشُ شيءٌ يا صديقُ مُقزِّزٌ ** وصف البهائم، لا تكنْ دجَّالا! - وكـ "واو" عمرٍو للصديق ملازمٌ ** قد أورَثَ الخِلَّ الوفيَّ ملالا! = = = = = • يا صاح ِ، إنّي قد رضيتُ مشورةً ** إنّ المشورة ليس تعدلُ مالا • مَن للعيال مُداعِبٌ ومُؤانِسٌ ** مَن غيرُه سيُأرجِحُ الأطفالا؟ • مَن لـ "المدام" إذا الوسادُ تحجَّرتْ ** يحنو عليها خِفَّةً ودلالا؟ • مَن للطعام إذا ملأتم سُفْرةً ** حمَلَ البقيَّةَ فوقه، ما مالا؟ • مَن تستعينُ به لإطرابِ الألى ** غنَّوْا، وطبَّلَ راقصًا ميَّالا؟ = = = = = - أضحكتني؛ إذ كان قولُك ماجنًا ** وظهرتَ لي مُتهتِّكًا مُحتالا! - لكنَّه عند التحقُّق عائقٌ ** وقتَ الجهاد يُقهقِرُ الأبطالا - إنَّ النحافة في الوغى محمودةٌ ** والكِرْشُ ذُمَّ حقيقةً ومقالا - إذ صاحبُ الكرش ِ العظيم ِ لُعابُه ** إنْ أبصرَ الأكلَ المُنمَّقَ سالا = = = = = • هَبْ أنَّ ما حدَّثتني به واقعٌ ** ما ضرَّه لو