التوأمُ القاتلُ (قصة قصيرة)
لم ينقطع نشيجه حزنًا على المربية العجوز، بكاها كما لم يبكِ أمه أو أحدًا من أهله، ما كان فيض الدموع الذي يقطع نياط القلوب ويحرك الحجر الأصم، بمستغرب من الشاب الثلاثيني الرقيق "حليم"، المشهور بطيبة القلب ودماثة الخلق، بعكس توأمه "سليم"، السفاح الذي روع الأهالي في البلدة الساحلية الوادعة، لم تغمض أعين الأمهات إلا بعد أن دهسته سيارة مجهولة، فمات غير مأسوف عليه.
حين طار خبر مصرعه، تنفس الجميع الصعداء، وترقبوا زوال سنوات عجاف شهدت مسلسل رعب ظنوا أنه لن ينتهي، انزاح الكابوس الجاثم على صدورهم، فابتسموا بعد عبوس، وأمنوا بعد خوف، لا سيما الأمهات اللاتي طالما ارتعدت فرائصهن خشية على الصغار، خمس حالات اختطاف غامضة لفتيات في عمر الزهور، عجزت الشرطة عن حل ألغازها ردحًا من الزمن. كل الظنون تتجه إلى "سليم" باعتباره مجرمًا، لكن أعوز الشرطة الدليل الحاسم الذي يدينه ويلف حبل المشنقة حول عنقه، ومِن ثم فقد ظل حرًا طليق السراح.
بعد موته ظهرت الجثث في الظهير الصحراوي للبلدة، عثر عليها راعي غنم، شردت غنمة من قطيعه، فتتبعها وفجأة زلت قدمه ليسقط في حفرة غير عميقه، ويغيب عن الوعي بعد ارتطام رأسه بالصخور، أفاق بعد مدة على نباح كلبه المتواصل، عبثًا حاول أن يسكته، ظل الكلب ينبش الرمال في إصرار كالمحموم، لتطل منها جماجم وعظام بالية، ظن الراعي أنها لبعض الحيوانات الضالة، التي قضت من العطش أو افترستها الذئاب، لكنه ذهل حين أيقن أنها عظام آدمية، فصرخ من الرعب وأطلق ساقيه للريح.
اتسمت طفولة "سليم" البائسة بالعنف والفظاظة، كان يخنق العصافير ويتلذذ بتعذيب القطط ويقطع أوصال الضفادع ويسمل أعين الأسماك ويأكلها حية، ويقطعها بالسكين الصغيرة التي لا تفارق جيبه، غير عابئ بنظرات الاشمئزاز من أترابه ولا بصيحات استنكارهم، وكان إذا اشتبك مع أحدهم ربما كسر له سنًا أو غرس أسنانه في لحمه وعضه كحيوان مفترس، غير آبه بالدم النازف من غريمه أو صيحات الألم الضارعة.
على حين لم يؤثر عن "حليم" ثمة بطش أو قسوة، بل كان يذوب رقة ويسيل عذوبة في حنانٍ زائد، لمسه كل من اقترب منه من الناس أو الحيوانات. الغريب أن ملامحهما كانت متماثلة، لدرجة يتعذر معها على الناس التفريق بينهما للوهلة الأولى، ولم يكن يقدر على ذلك سوى المربية العجوز.
لم يكن مصرع المربية الطيبة بالسم بأغرب من حادث الاختطاف، الذي أعقب نزوح "حليم" إلى جهة غير معلومة، ليعود طائر الخوف يرفرف على البلدة من جديد.
أحمد عبد السلام - مصر
لم ينقطع نشيجه حزنًا على المربية العجوز، بكاها كما لم يبكِ أمه أو أحدًا من أهله، ما كان فيض الدموع الذي يقطع نياط القلوب ويحرك الحجر الأصم، بمستغرب من الشاب الثلاثيني الرقيق "حليم"، المشهور بطيبة القلب ودماثة الخلق، بعكس توأمه "سليم"، السفاح الذي روع الأهالي في البلدة الساحلية الوادعة، لم تغمض أعين الأمهات إلا بعد أن دهسته سيارة مجهولة، فمات غير مأسوف عليه.
حين طار خبر مصرعه، تنفس الجميع الصعداء، وترقبوا زوال سنوات عجاف شهدت مسلسل رعب ظنوا أنه لن ينتهي، انزاح الكابوس الجاثم على صدورهم، فابتسموا بعد عبوس، وأمنوا بعد خوف، لا سيما الأمهات اللاتي طالما ارتعدت فرائصهن خشية على الصغار، خمس حالات اختطاف غامضة لفتيات في عمر الزهور، عجزت الشرطة عن حل ألغازها ردحًا من الزمن. كل الظنون تتجه إلى "سليم" باعتباره مجرمًا، لكن أعوز الشرطة الدليل الحاسم الذي يدينه ويلف حبل المشنقة حول عنقه، ومِن ثم فقد ظل حرًا طليق السراح.
بعد موته ظهرت الجثث في الظهير الصحراوي للبلدة، عثر عليها راعي غنم، شردت غنمة من قطيعه، فتتبعها وفجأة زلت قدمه ليسقط في حفرة غير عميقه، ويغيب عن الوعي بعد ارتطام رأسه بالصخور، أفاق بعد مدة على نباح كلبه المتواصل، عبثًا حاول أن يسكته، ظل الكلب ينبش الرمال في إصرار كالمحموم، لتطل منها جماجم وعظام بالية، ظن الراعي أنها لبعض الحيوانات الضالة، التي قضت من العطش أو افترستها الذئاب، لكنه ذهل حين أيقن أنها عظام آدمية، فصرخ من الرعب وأطلق ساقيه للريح.
اتسمت طفولة "سليم" البائسة بالعنف والفظاظة، كان يخنق العصافير ويتلذذ بتعذيب القطط ويقطع أوصال الضفادع ويسمل أعين الأسماك ويأكلها حية، ويقطعها بالسكين الصغيرة التي لا تفارق جيبه، غير عابئ بنظرات الاشمئزاز من أترابه ولا بصيحات استنكارهم، وكان إذا اشتبك مع أحدهم ربما كسر له سنًا أو غرس أسنانه في لحمه وعضه كحيوان مفترس، غير آبه بالدم النازف من غريمه أو صيحات الألم الضارعة.
على حين لم يؤثر عن "حليم" ثمة بطش أو قسوة، بل كان يذوب رقة ويسيل عذوبة في حنانٍ زائد، لمسه كل من اقترب منه من الناس أو الحيوانات. الغريب أن ملامحهما كانت متماثلة، لدرجة يتعذر معها على الناس التفريق بينهما للوهلة الأولى، ولم يكن يقدر على ذلك سوى المربية العجوز.
لم يكن مصرع المربية الطيبة بالسم بأغرب من حادث الاختطاف، الذي أعقب نزوح "حليم" إلى جهة غير معلومة، ليعود طائر الخوف يرفرف على البلدة من جديد.
أحمد عبد السلام - مصر
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا رأيك فى موضوعاتنا .