التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التوأمُ القاتلُ (قصة قصيرة) بقلم أحمد عبد السلام - مصر

التوأمُ القاتلُ (قصة قصيرة)
لم ينقطع نشيجه حزنًا على المربية العجوز، بكاها كما لم يبكِ أمه أو أحدًا من أهله، ما كان فيض الدموع الذي يقطع نياط القلوب ويحرك الحجر الأصم، بمستغرب من الشاب الثلاثيني الرقيق "حليم"، المشهور بطيبة القلب ودماثة الخلق، بعكس توأمه "سليم"، السفاح الذي روع الأهالي في البلدة الساحلية الوادعة، لم تغمض أعين الأمهات إلا بعد أن دهسته سيارة مجهولة، فمات غير مأسوف عليه.
حين طار خبر مصرعه، تنفس الجميع الصعداء، وترقبوا زوال سنوات عجاف شهدت مسلسل رعب ظنوا أنه لن ينتهي، انزاح الكابوس الجاثم على صدورهم، فابتسموا بعد عبوس، وأمنوا بعد خوف، لا سيما الأمهات اللاتي طالما ارتعدت فرائصهن خشية على الصغار، خمس حالات اختطاف غامضة لفتيات في عمر الزهور، عجزت الشرطة عن حل ألغازها ردحًا من الزمن. كل الظنون تتجه إلى "سليم" باعتباره مجرمًا، لكن أعوز الشرطة الدليل الحاسم الذي يدينه ويلف حبل المشنقة حول عنقه، ومِن ثم فقد ظل حرًا طليق السراح.
بعد موته ظهرت الجثث في الظهير الصحراوي للبلدة، عثر عليها راعي غنم، شردت غنمة من قطيعه، فتتبعها وفجأة زلت قدمه ليسقط في حفرة غير عميقه، ويغيب عن الوعي بعد ارتطام رأسه بالصخور، أفاق بعد مدة على نباح كلبه المتواصل، عبثًا حاول أن يسكته، ظل الكلب ينبش الرمال في إصرار كالمحموم، لتطل منها جماجم وعظام بالية، ظن الراعي أنها لبعض الحيوانات الضالة، التي قضت من العطش أو افترستها الذئاب، لكنه ذهل حين أيقن أنها عظام آدمية، فصرخ من الرعب وأطلق ساقيه للريح.
اتسمت طفولة "سليم" البائسة بالعنف والفظاظة، كان يخنق العصافير ويتلذذ بتعذيب القطط ويقطع أوصال الضفادع ويسمل أعين الأسماك ويأكلها حية، ويقطعها بالسكين الصغيرة التي لا تفارق جيبه، غير عابئ بنظرات الاشمئزاز من أترابه ولا بصيحات استنكارهم، وكان إذا اشتبك مع أحدهم ربما كسر له سنًا أو غرس أسنانه في لحمه وعضه كحيوان مفترس، غير آبه بالدم النازف من غريمه أو صيحات الألم الضارعة.
على حين لم يؤثر عن "حليم" ثمة بطش أو قسوة، بل كان يذوب رقة ويسيل عذوبة في حنانٍ زائد، لمسه كل من اقترب منه من الناس أو الحيوانات. الغريب أن ملامحهما كانت متماثلة، لدرجة يتعذر معها على الناس التفريق بينهما للوهلة الأولى، ولم يكن يقدر على ذلك سوى المربية العجوز.
لم يكن مصرع المربية الطيبة بالسم بأغرب من حادث الاختطاف، الذي أعقب نزوح "حليم" إلى جهة غير معلومة، ليعود طائر الخوف يرفرف على البلدة من جديد.
أحمد عبد السلام - مصر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رحلة فى أعماق شاعر : الشاعر إيليا أبو ماضى بقلم محسن الوردانى

الشاعر اللبنانى إيليا أبو ماضى أحد أبرز شعراء المهجر فى القرن العشرين جاء إلى مصر عام 1902 بهدف التجارة والتقى بالكاتب اللبنانى انطوان جميل ودعاه انطوان للكتابة فى مجلة الزهور فبدأ فى نشر قصائد بالمجلة . صدر له عام 1911 ديوان      تذكار الماضى هاجر عام 1912 الولايات المتحدة وأسس الرابطة القلمية  مع جبران خليل جبران وميخائيل نعمه توفى سنة 1957 يقول ايليا أبو ماضى فى قصيدته ليس السر في السنوات قل للذي أحصى السنين مفاخرا     يا صاح ليس السرّ في السنوات لكنه في المرء كيف يعيشها     في يقظة ، أم في عميق سبات قم عدّ آلاف السنين على الحصى     أتعدّ شبة فضيلة لحصاة؟ خير من الفلوات ، لا حدّ لها ،     روض أغنّ يقاس بالخطوات كن زهرة ، أو نغمة في زهرة،     فالمجد للأزهار والنغمات تمشي الشهور على الورود ضحوكة     وتنام في الأشواك مكتئبات وتموت ذي للعقم قبل مماتها     وتعيش تلك الدهر في ساعات تحصى على أهل الحياة دقائق     والدهر لا يحصى على الأموات ألعمر ، إلاّ بالمآثر، فارغ                       كالبيت مهجورا وكالمومات جعل السنين مجيدة وجميلة     ما في مطاويها من الحسنات وهنا يتحدث إيليا ابو ماضى

ترجمة تلخيص مسرحية تاجر البندقيه * مع تحليل نقدى لابعاد المسرحيه بقلم د/ طارق رضوان

* ترجمة تلخيص مسرحية تاجر البندقيه * مع تحليل نقدى لابعاد المسرحيه بقلم د/ طارق رضوان في مدينة فينيسا "البندقية" بإيطاليا، كان اليهودي الجشع"شيلوك" قد جمع ثروة طائلة من المال الحرام..فقد كان يقرض الناس بالربا الفاحش..وكانت مدينة البندقية في ذلك الوقت من أشهر المدن التجارية، ويعيش فيها تجار كثيرون من المسيحيين..من بينهم تاجر شاب اسمه"انطونيو". كان "انطونيو"ذا قلب طيب كريم..وكان لا يبخل على كل من يلجأ إليه للاقتراض دون ان يحصل من المقترض على ربا او فائدة.لذلك فقد كان اليهودي "شيلوك"يكرهه ويضمر له الشر بالرغم مما كان بيديه له من نفاق واحترام مفتعل. وفي اي مكان كان يلتقي فيه "انطونيو"و"شيلوك"كان "انطونيو"يعنفه ويوبخه، بل ويبصق عليه ويتهمه بقسوة القلب والاستغلال.وكان اليهودي يتحمل هذه المهانه، وفي الوقت نفسه كان يتحين أيه فرصة تسنح له للانتقام من "انطونيو". وكان جميع اهالي "البندقية"يحبون "انطونيو" ويحترمونه لما عرف عنه من كرم وشجاعة ،كما كان له أصدقاء كثي

قصيدة (الكِرْش.. بين مدح وذمّ!)

• الكِرْشُ مفخرةُ الرجالِ، سَمَوْا به ** وتوسَّدوه، ووسَّدوه عيالا • خِلٌّ وفيٌّ لا يخونُ خليلَهُ ** في الدرب تُبصِرُ صورةً وخيالا = = = = = - الكِرْشُ شيءٌ يا صديقُ مُقزِّزٌ ** وصف البهائم، لا تكنْ دجَّالا! - وكـ "واو" عمرٍو للصديق ملازمٌ ** قد أورَثَ الخِلَّ الوفيَّ ملالا! = = = = = • يا صاح ِ، إنّي قد رضيتُ مشورةً ** إنّ المشورة ليس تعدلُ مالا • مَن للعيال مُداعِبٌ ومُؤانِسٌ ** مَن غيرُه سيُأرجِحُ الأطفالا؟ • مَن لـ "المدام" إذا الوسادُ تحجَّرتْ ** يحنو عليها خِفَّةً ودلالا؟ • مَن للطعام إذا ملأتم سُفْرةً ** حمَلَ البقيَّةَ فوقه، ما مالا؟ • مَن تستعينُ به لإطرابِ الألى ** غنَّوْا، وطبَّلَ راقصًا ميَّالا؟ = = = = = - أضحكتني؛ إذ كان قولُك ماجنًا ** وظهرتَ لي مُتهتِّكًا مُحتالا! - لكنَّه عند التحقُّق عائقٌ ** وقتَ الجهاد يُقهقِرُ الأبطالا - إنَّ النحافة في الوغى محمودةٌ ** والكِرْشُ ذُمَّ حقيقةً ومقالا - إذ صاحبُ الكرش ِ العظيم ِ لُعابُه ** إنْ أبصرَ الأكلَ المُنمَّقَ سالا = = = = = • هَبْ أنَّ ما حدَّثتني به واقعٌ ** ما ضرَّه لو