حجرٌ (قصة قصيرة)
(سوري!)
قالتها بعجرفة، في اعتذار يحتاج إلى اعتذار!
ثم عاودت الانطلاق كالسهم، وتركتني ألملم أفكاري مع هاتفي وعدساتي وأوراقي المبعثرة ، هب صديقي من كرسيه الرابض على طرف حمام السباحة بالنادي الاجتماعي، ناولني نظارتي التي عجزت عن الوصول إليها؛ إذ أحتاجها للرؤية، كما يحتاج الجندي لسلاحه، كيف لا، وهي رفيقة طفولتي، ولم تطاوعني نفسي لفراقها بعملية (ليزك)، أعدتها إلى وجهي، فارتد إلي بصري، ضحك هامسًا: أرزاق! نظرت إليه مستفهمًا، فاستطرد بابتسامة ماكرة: البعض تصدمه سيارة، عامود إنارة، جدار ناتئ، أما أنت فحظك من السماء، كما يقولون: لا تقع إلا واقفًا! قلت في استهجان: من هذه؟ قال: أستاذة جامعية لكن للأسف متزوجة! تنهدت متحسرًا، فأردف يواسيني: لا تيأس هناك بصيص أمل في انفصالها قريبًا، ولعلها بعد ذلك تكون من نصيبك!
قضيت سنوات الغربة في خدمة صاحبة الجلالة، أكابد صقيع بلاطها من جريدة لأخرى، أطارد الأخبار وتطاردني، في أجازتي السنوية دعاني صديقي لزيارته، بمكتبه في (الكمبوند) الذي يعمل به مديرًا للتسويق، على أمل إيقاعي بحبائله، لأقتني شقة أو (فيللا) تتمتع بالخصوصية، والفخامة، والجوار الراقي مع صفوة المجتمع، بمنأى عن صخب العشوائيات ومشاكلها، لست من النوع الذي ينبهر بالمطبوعات الأنيقة، فأنا سأدفع دم قلبي، لذا طاف بي في جولة على البحيرات، والمساحات الخضراء، والبوابات التي تذكرك بقلاع القرون الوسطى؛ غير أن حراسها بلباس العصر الحديث.
لما لمس صديقي زهدي في الشراء حول دفة الحديث، عدت للاستفسار عن المرأة العاصفة التي اجتاحتني عند وصولي، فازدرد رشفة من العصير الطازج وقال: طبعًا المدينة الفاضلة لم ولن توجد يومًا إلا في مخيلة الفلاسفة، فصاحبتنا مثلًا لها كل يوم شكوى: مرة من نباح كلب الجار الذي يحرمها النوم حتى توعدت بتسميمه، ومرة من مخلفات تشطيب الجار الآخر، بزعم أنها تحوي الفئران والثعابين، ولما استنكرنا منها عدم صبرها عدة أيام، كما صبر الأخرون عليها عندما قامت بتشطيب (فيللتها)، فوجئنا بتهديدها بجلب ثعابين، وتصويرها، ورفع الصور على الموقع الإليكتروني للشركة، لتفسد علينا التسويق، زادت دهشتي وهو يكمل: هل تتخيل أنها اشتكت من تلصص أفراد الأمن عليها، وإرعابها ليلًا بالصعود والنزول على السلالم، والدق على بابها؟ هذا غير عدة شكاوى أخرى من مستوى النظافة، وطول الوقوف بالسيارة أمام البوابة، قبل السماح لها بالمرور، وتدني خدمات مكافحة الآفات.
ما أذهلني حقًا هو قيام الزوج برفع دعوى حجر عليها، مستندًا إلى هذه الشكاوى المسجلة، باعتبار المربية الخلوقة مصابة بانفصام في الشخصية وفاقدة للأهلية، وقدم لهيئة المحكمة إيصالات تبرع منها بمبالغ طائلة لجمعيات الرفق بالحيوان، وتذاكر علاج نفسي بإحدى المصحات المتخصصة.
أثارت الواقعة حسي الصحفي فرحت أتقصى الحقيقة من منابعها، قبيل عودتي للخارج تبين أن الشكاوى المذكورة سُجلت بصوت الخادمة بإيعاز من الحماة، التي قامت أيضًا بعلاج خادمتها، واستخراج تذاكر العلاج باسم الدكتورة الجامعية، كما تبرعت باسمها بمبالغ طائلة سعيًا للإيقاع بها، وانتقامًا لزواج ابنها بها على كره منها.
خفت حماسة صديقي لشرائي وحدة بالتجمع السكني، وتبينت أنه تزوج بالأستاذة الجامعية عقب انتهاء عدتها من الزواج الأول.
أحمد عبد السلام- مصر
(سوري!)
قالتها بعجرفة، في اعتذار يحتاج إلى اعتذار!
ثم عاودت الانطلاق كالسهم، وتركتني ألملم أفكاري مع هاتفي وعدساتي وأوراقي المبعثرة ، هب صديقي من كرسيه الرابض على طرف حمام السباحة بالنادي الاجتماعي، ناولني نظارتي التي عجزت عن الوصول إليها؛ إذ أحتاجها للرؤية، كما يحتاج الجندي لسلاحه، كيف لا، وهي رفيقة طفولتي، ولم تطاوعني نفسي لفراقها بعملية (ليزك)، أعدتها إلى وجهي، فارتد إلي بصري، ضحك هامسًا: أرزاق! نظرت إليه مستفهمًا، فاستطرد بابتسامة ماكرة: البعض تصدمه سيارة، عامود إنارة، جدار ناتئ، أما أنت فحظك من السماء، كما يقولون: لا تقع إلا واقفًا! قلت في استهجان: من هذه؟ قال: أستاذة جامعية لكن للأسف متزوجة! تنهدت متحسرًا، فأردف يواسيني: لا تيأس هناك بصيص أمل في انفصالها قريبًا، ولعلها بعد ذلك تكون من نصيبك!
قضيت سنوات الغربة في خدمة صاحبة الجلالة، أكابد صقيع بلاطها من جريدة لأخرى، أطارد الأخبار وتطاردني، في أجازتي السنوية دعاني صديقي لزيارته، بمكتبه في (الكمبوند) الذي يعمل به مديرًا للتسويق، على أمل إيقاعي بحبائله، لأقتني شقة أو (فيللا) تتمتع بالخصوصية، والفخامة، والجوار الراقي مع صفوة المجتمع، بمنأى عن صخب العشوائيات ومشاكلها، لست من النوع الذي ينبهر بالمطبوعات الأنيقة، فأنا سأدفع دم قلبي، لذا طاف بي في جولة على البحيرات، والمساحات الخضراء، والبوابات التي تذكرك بقلاع القرون الوسطى؛ غير أن حراسها بلباس العصر الحديث.
لما لمس صديقي زهدي في الشراء حول دفة الحديث، عدت للاستفسار عن المرأة العاصفة التي اجتاحتني عند وصولي، فازدرد رشفة من العصير الطازج وقال: طبعًا المدينة الفاضلة لم ولن توجد يومًا إلا في مخيلة الفلاسفة، فصاحبتنا مثلًا لها كل يوم شكوى: مرة من نباح كلب الجار الذي يحرمها النوم حتى توعدت بتسميمه، ومرة من مخلفات تشطيب الجار الآخر، بزعم أنها تحوي الفئران والثعابين، ولما استنكرنا منها عدم صبرها عدة أيام، كما صبر الأخرون عليها عندما قامت بتشطيب (فيللتها)، فوجئنا بتهديدها بجلب ثعابين، وتصويرها، ورفع الصور على الموقع الإليكتروني للشركة، لتفسد علينا التسويق، زادت دهشتي وهو يكمل: هل تتخيل أنها اشتكت من تلصص أفراد الأمن عليها، وإرعابها ليلًا بالصعود والنزول على السلالم، والدق على بابها؟ هذا غير عدة شكاوى أخرى من مستوى النظافة، وطول الوقوف بالسيارة أمام البوابة، قبل السماح لها بالمرور، وتدني خدمات مكافحة الآفات.
ما أذهلني حقًا هو قيام الزوج برفع دعوى حجر عليها، مستندًا إلى هذه الشكاوى المسجلة، باعتبار المربية الخلوقة مصابة بانفصام في الشخصية وفاقدة للأهلية، وقدم لهيئة المحكمة إيصالات تبرع منها بمبالغ طائلة لجمعيات الرفق بالحيوان، وتذاكر علاج نفسي بإحدى المصحات المتخصصة.
أثارت الواقعة حسي الصحفي فرحت أتقصى الحقيقة من منابعها، قبيل عودتي للخارج تبين أن الشكاوى المذكورة سُجلت بصوت الخادمة بإيعاز من الحماة، التي قامت أيضًا بعلاج خادمتها، واستخراج تذاكر العلاج باسم الدكتورة الجامعية، كما تبرعت باسمها بمبالغ طائلة سعيًا للإيقاع بها، وانتقامًا لزواج ابنها بها على كره منها.
خفت حماسة صديقي لشرائي وحدة بالتجمع السكني، وتبينت أنه تزوج بالأستاذة الجامعية عقب انتهاء عدتها من الزواج الأول.
أحمد عبد السلام- مصر
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا رأيك فى موضوعاتنا .