التخطي إلى المحتوى الرئيسي

في سفر الموت بقلم الأديبة نرجس عمران سوريا



في سفر الموت

ركنٌ صغير
كان حظه الأوفر بشئٍ من نور النافذة المطلة عليه .
تحت السلم الحجري المؤدية إلى سطح منزل بجوار الشارع.
انتهى بمشوارها المطاف
أرضه الصلبة احتضنتْ ساقي أم أسعد التي سقطتْ من جسدها عنوة ً.
حاولت قدر المستطاع أن تفرض سيطرتها عليهما،لكن عبثًا فعلتْ لم تستطع أن تصرخ وجعها بأعلى م̷ـن صوتٍ هامس خرج من ثغرها رغمًا عنها
كي لا توقظ رضيعتها الخالدة لنومٍ عميق في حضنها .
منذ مدة وهي غافية بعد أن أنهكها البكاء من شدة الصقيع والجوع والضجيج و قلقلة المسير .
أمي ...
صرخ هادي
ابن الخامسة مرعوباً على أمه بيده يمسك منذ بداية الطريق قطقة قماش متهدلة م̷ن ثوبها مازالت عالقة به لم تنفصل بعد .
وبيده الأخرى يمسك واحدة من حذائه الذي أكل جوع ُالطريق ونهمُ المسافة نعله .
وما كان هادي ليتركه أبدا .
آثر حمله بيده وضمه إلى حضنه لربما غاب عنه أنه حذاؤه وليس دميته ، وارتداء الأخرى بقدمه حتى بدا قدمه العاري اكثر وسخًا وأكبر حجمًا م̷ـن نظيرها .
لا تخف بني تعال معي
أجابته أمه.
ما كانت أم أسعد لتستطيع مساعدة ركبتيها بلمسة حنان ٍ حتى
بل كلفتهما عبئاًجديداً.
هي مضطرة الأن للزحف إلى الحائط المقابل طمعًا ببعض الدفء لولديها من المدفأة التي تنفث دخانها في أعلاه.
زحفت على ركبتيها اللتين خطتا
أثرا أحمر خلفها من نريف ارتطامها بالأرض القاسية .
هذه الأمتار القليلة التي تفصلها عن الجدار بالنسبة لأم أسعد تعادل الأميال التي قطعتها هرباً من حرب ضربت أضنابها في بلادها وحطت أوزارها فيها
زوجها أبو أسعد مات أمام عينها عندما سقطت عليه جدار المنزل لحظة إنفجار لعين .
وسِيق ابنها أسعد ابن الخمسة عشر عامًا إلى حيث لا تدري أين .
بعد أن قيده غرباء ولثموه وكبلوا يديه خلف ظهره .
هامت على وجهها في طول البلاد وعرضها قاصدة النجاة بطفليها
وساعدها القدر بأن أغفل عنها عيون الغدر
مشتْ ومشتْ ومشت
تاركةً حربًا وأهلاً وبلداً
قاطعةً أرضًا وحدودًا
وأين هي الأن؟؟
إنها حقًا لا تعلم


أسندت ظهرها الذي التوى الإ قليلاً
علي الحائط خلفها .
واجلستْ صغيرها هادي على قدميها
هادي الذي أخذ يبكي بصمت دون صوت وهو يمسح الدم عن قدمي أمه بقطعةً م̷ن سروالها الممزق
ضمت أم أسعد ابنتها الى حضنها أكثر فأكثر
وهي تغني لها كما اعتادت أن تفعل رغم أن صغيرتها تغطُ في نوم عميق .
وراحت تربت لها بيدها
تضمها أكثر إلى حضنها وتلصق وجهها بوجه الصغيرة تريد أن تعطيها أنفاسها الدافئة كي تقتل صقيعاً سكن في جسدها .
أم أسعد رغم الملابس البالية تحس بجسدالصغيرة قطعة من الجليد في حضنها
أخذت تزيد م̷ن ضمها وربتاتها تزداد عنفًا بالتدريج .
هادي الذي أخذ يراقب أمه عن كثب وبإهتمام أكثر يدفعه للتحديق بها أعمق، بدا يبكي ولكن بصوت مرتفع الأن خوفاً واستغراباً.
أخذت ربتات الأم شكلًا عنيفاً
هي الأن تلطمها لطماً موجعًا
هذا ما أخاف هادي الذي أنفجر بكاءً خوفاً م̷ن أمه وعليها وعلى أخته الرضيعة الصغيرة. خوفه هذا هو ما دفعه للصراخ قائلاً :

أمي أمي أرجوك
أنت توجعين أختي قد توقظيها
أمي ي ي ي
أجابته أمه بحرقةٍ يقتلها كبرياءُ صبر ورباطةُ جأش .
لا يا بني
لا تخفْ
الميت
لا يستيقظ ابداً
الميت لا يتوجع 😭
نرجس عمران
سوريا

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رحلة فى أعماق شاعر : الشاعر إيليا أبو ماضى بقلم محسن الوردانى

الشاعر اللبنانى إيليا أبو ماضى أحد أبرز شعراء المهجر فى القرن العشرين جاء إلى مصر عام 1902 بهدف التجارة والتقى بالكاتب اللبنانى انطوان جميل ودعاه انطوان للكتابة فى مجلة الزهور فبدأ فى نشر قصائد بالمجلة . صدر له عام 1911 ديوان      تذكار الماضى هاجر عام 1912 الولايات المتحدة وأسس الرابطة القلمية  مع جبران خليل جبران وميخائيل نعمه توفى سنة 1957 يقول ايليا أبو ماضى فى قصيدته ليس السر في السنوات قل للذي أحصى السنين مفاخرا     يا صاح ليس السرّ في السنوات لكنه في المرء كيف يعيشها     في يقظة ، أم في عميق سبات قم عدّ آلاف السنين على الحصى     أتعدّ شبة فضيلة لحصاة؟ خير من الفلوات ، لا حدّ لها ،     روض أغنّ يقاس بالخطوات كن زهرة ، أو نغمة في زهرة،     فالمجد للأزهار والنغمات تمشي الشهور على الورود ضحوكة     وتنام في الأشواك مكتئبات وتموت ذي للعقم قبل مماتها     وتعيش تلك الدهر في ساعات تحصى على أهل الحياة دقائق     والدهر لا يحصى على الأموات ألعمر ، إلاّ بالمآثر، فارغ                       كالبيت مهجورا وكالمومات جعل السنين مجيدة وجميلة     ما في مطاويها من الحسنات وهنا يتحدث إيليا ابو ماضى

ترجمة تلخيص مسرحية تاجر البندقيه * مع تحليل نقدى لابعاد المسرحيه بقلم د/ طارق رضوان

* ترجمة تلخيص مسرحية تاجر البندقيه * مع تحليل نقدى لابعاد المسرحيه بقلم د/ طارق رضوان في مدينة فينيسا "البندقية" بإيطاليا، كان اليهودي الجشع"شيلوك" قد جمع ثروة طائلة من المال الحرام..فقد كان يقرض الناس بالربا الفاحش..وكانت مدينة البندقية في ذلك الوقت من أشهر المدن التجارية، ويعيش فيها تجار كثيرون من المسيحيين..من بينهم تاجر شاب اسمه"انطونيو". كان "انطونيو"ذا قلب طيب كريم..وكان لا يبخل على كل من يلجأ إليه للاقتراض دون ان يحصل من المقترض على ربا او فائدة.لذلك فقد كان اليهودي "شيلوك"يكرهه ويضمر له الشر بالرغم مما كان بيديه له من نفاق واحترام مفتعل. وفي اي مكان كان يلتقي فيه "انطونيو"و"شيلوك"كان "انطونيو"يعنفه ويوبخه، بل ويبصق عليه ويتهمه بقسوة القلب والاستغلال.وكان اليهودي يتحمل هذه المهانه، وفي الوقت نفسه كان يتحين أيه فرصة تسنح له للانتقام من "انطونيو". وكان جميع اهالي "البندقية"يحبون "انطونيو" ويحترمونه لما عرف عنه من كرم وشجاعة ،كما كان له أصدقاء كثي

قصيدة (الكِرْش.. بين مدح وذمّ!)

• الكِرْشُ مفخرةُ الرجالِ، سَمَوْا به ** وتوسَّدوه، ووسَّدوه عيالا • خِلٌّ وفيٌّ لا يخونُ خليلَهُ ** في الدرب تُبصِرُ صورةً وخيالا = = = = = - الكِرْشُ شيءٌ يا صديقُ مُقزِّزٌ ** وصف البهائم، لا تكنْ دجَّالا! - وكـ "واو" عمرٍو للصديق ملازمٌ ** قد أورَثَ الخِلَّ الوفيَّ ملالا! = = = = = • يا صاح ِ، إنّي قد رضيتُ مشورةً ** إنّ المشورة ليس تعدلُ مالا • مَن للعيال مُداعِبٌ ومُؤانِسٌ ** مَن غيرُه سيُأرجِحُ الأطفالا؟ • مَن لـ "المدام" إذا الوسادُ تحجَّرتْ ** يحنو عليها خِفَّةً ودلالا؟ • مَن للطعام إذا ملأتم سُفْرةً ** حمَلَ البقيَّةَ فوقه، ما مالا؟ • مَن تستعينُ به لإطرابِ الألى ** غنَّوْا، وطبَّلَ راقصًا ميَّالا؟ = = = = = - أضحكتني؛ إذ كان قولُك ماجنًا ** وظهرتَ لي مُتهتِّكًا مُحتالا! - لكنَّه عند التحقُّق عائقٌ ** وقتَ الجهاد يُقهقِرُ الأبطالا - إنَّ النحافة في الوغى محمودةٌ ** والكِرْشُ ذُمَّ حقيقةً ومقالا - إذ صاحبُ الكرش ِ العظيم ِ لُعابُه ** إنْ أبصرَ الأكلَ المُنمَّقَ سالا = = = = = • هَبْ أنَّ ما حدَّثتني به واقعٌ ** ما ضرَّه لو