كنت مع والدي - رحمة الله عليه - أثناء دخوله مستشفى التأمين الصحي لإجراء عملية ميه بيضا ، ولسبب لا أعلمه أدخلوا والدي عنبر بمفرده ، مع ترحاب من الممرضة بالوالد ، وحددوا له صباح الغد لإجراء العملية !!! ، فقلت لوالدي - رحمة الله عليه - البلد اتغيرت والخدمة اتحسنت ، والمعاملة أصبحت زي المستشفيات الخاصة المميزة ، فابتسم - رحمة الله عليه - ودعا لي بالخير ، وقال لي : ياابني ده علشان انت معايا ، وأنا سمعت دكتور بيقول للمدير وهو بيشور عليك : الراجل ده قلق ياريت سعادتك تدخلوا والده في عنبر جراحة العيون !!!! ، فاستأذنت من الوالد ونزلت أشتري بعض الاحتياجات له من المحلات القريبة من المستشفى ، وأثناء عودتي وجدت أحد المرضى بيصرخ محتاج ينام على سرير لأنه سيُجري عملية في الغد ، والممرضة مصممة تدخله عنبر زحمة ينام على الأرض للصبح !!! ، فقلت له : انت هتعمل عملية إيه ياحاج ؟ !!! ، قال لي : هعمل عملية ميه بيضا ، فقلت للمرضة : هاتيه مع الحج فيه سراير كتير فاضية ، الممرضة اتشالت واتهمدت ورفضت تدخله العنبر ، فأخذته من يده وعدلت له المخدة لينام على سرير مجاور لسرير الوالد ، والراجل دعا لي بأدعية ، أعتقد أن ما أنا فيه من حماية ربانية سببها دعاء الوالدين ، ودعاء هذا الرجل ، وبدأ كلاهما يستعرض ذكرياته ، وأنا أجلس على حرف أحد الأسرة أتابع حكاياتهما ، وأرى السعادة في مفردات والدي - بأن ثمرة مجهوده وتعبه جاءت بنتيجة - ولما طال حديث الذكريات بين والدي وهذا الصديق الجديد - خرجت لأتركهما يتحدثنا عن رحلتهما في الحياة ، وهكذا تكون أحاديث المستشفيات ، وأثناء جلوسي في الاستراحة بالقرب من باب حجرة الوالد ، وأنا أقُلب في صفحات بعض الجرائد ، فوجئت بصوت ممرضة تنادي باسم والدي واسم المريض الذي معه فعدوت مسرعاً ، ناحية العنبر ، فوجدت ممرضة غير الأولى ، وهي تطالب والدي ومن معه بالخروج من العنبر وستلحقهما بعنبر آخر ، فلم أتمالك نفسي وأنا أنهر الممرضة ، وتدخل والدي والمريض الذي معه ، لتهدئتي ، وقال الوالد : فاضل كام ساعة وأعمل العملية أنا والراجل الطيب ده ، وأي سرير هنام عليه مفيش مشكلة ، فقلت له : مش هيحصل حتى لوفيها إيه !!!! ، فخرج المرضى من العنابر وازدحمت الطرقة بهم وبذويهم ليشاهدوا ويسمعوا هذا الصوت الثائر الرافض لهذه الفوضى ، وبدأ التأييد من بعض أصحاب النزعات التمردية ، وبدأت أسمع كلمات التشجيع والتأييد : ينصر دينك ، أيوه هو الفساد ده هيستمر لحد إمته ؟ !!!، المفروض كلنا نعمل زي الراجل ده !!!.... كل ذلك يحدث ووالدي - رحمة الله عليه - يجمع حاجاته في شنط - وعلى مَد البصر ، وجدت طبيباً وخلفه مجموعة من الممرضات وعدد من رجال أمن المستشفى وحوالي خمسة عشرة سيدة ، وعندما اقترب مني عرّفني بنفسه بأنه مدير المستشفى النوبتجي ، وأنه استلم الآن وعلم بوجود مشكلة معي فحضر لحل المشكلة ، فقلت له : خروج الوالد من هذا العنبر لن يكون أبداً ، فهمس الرجل في أذني وأبلغني بأن هؤلاء السيدات مرضى ، بأمراض مختلفة ، ولا يجوز دخولهن عنبر الرجال ، وهذا موقف إنساني ، وأبلغني أنه وفّر سريرين للوالد والمريض الذي معه في عنبر الرجال ، ودخلت مع الوالد العنبر ، وقمت بإعداد سريره وأرحته على السرير ، وكذلك فعلت مع المريض المصاحب له ، ثم بدأت أتحدث مع المرضى الذي أعجبهم تصرفي ، وبدأ كل واحد منهم يحكي مأساته في مستشفيات الحكومة والتأمين الصحي ، واكتشفت أن هذا العنبر يضم مرضى في انتظار إجراء عمليات مختلفة ، مابين ميه بيضا ، عضروف ، حصوة ، بواسير ، .... !!!! ، ثم تركت الوالد على وعد بأن أعود صباحاً أثناء إجرائه العملية ، وأثناء دخولي المستشفى صباحاً
، سمعت صراخاً في نهاية الطرقة من مريض وهو يجلس على التروللي ،ويحاول النزول والفرار ، والممرضان يمسكان به !!! ، وسمعته يقول : ميه بيضا يااولاد الكلب .... ميه بيضا يااولاد الكلب مش غُدة !!!! ، إلحقني يادكتور محمد .... إلحقني من ولاد الكلب دول !!!! ، فجريت عليه ، وسط عدم مبالاة من المارة ، وسألته فيه إيه ؟ !!! قال لي : أنا محجوز في العنبر اللي فيه الحاج وهعمل عملية ميه بيضا ، وعلشان رجلي بتوجعني نمت على التروللي ، وسمعت الممرض ده بيقول للتاني : دخّل الراجل ده بتاع الغُدة !!! ، قلت له : غُدة إيه ؟ !!! أنا غُدتي سليمة ، أنا داخل أعمل ميه بيضا !!! ، راسهم وألف سيف إن أنا عندي الغدة !!! ، يعني لو أنا كنت أخدت البنج ، كان زمانهم عملوا لي الغدة !!!! ، فين وفين على ما أقنعتهم إن الراجل عنده ميه بيضا !!!! ، والراجل دخل يعمل الميه البيضا !!!! ، فانتبهت لأن موعد إجراء عملية الوالد الآن وخُفت يحدث ما حدث لهذا الرجل ، وعندما دخلت العنبر مسرعاً ، وجدت والدي على السرير وقد أجرى العملية ، وأسرتي كلها حواليه ، والعنبر كله بيضحك على موضوع الراجل بتاع الغدة !!! ... ولم يتحرك أحد للدفاع عن الرجل ، ووجدت أن هذا الأمر معتاد وليس جديداً في هذه المستشفيات !!!! ، يا نهار إسود !!!! ، كل واحد يخلي باله من غدته !!!! .
دكتور محمد زهران - مؤسس تيار استقلال المعلمين ....
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا رأيك فى موضوعاتنا .