كان التعليم في السابق محصورًا في الكتاتيب وحلقات المساجد التي كانت تلقن القرآن الكريم و تعلم مبادئ الدين الإسلامي واللغة العربية والحساب وهكذا استمرت المسيرة من جيل إلى جيل لتخريج العلماء والقادة حيث كان لهذه المدارس والمساجد الفضل في الأزمنة الماضية في تخريج العديد من العلماء والأدباء والموهوبين الذين أثروا تراثنا بكنوز من علوم الفقه والتوحيد ، وذخائر اللغة والشعر والأدب فكان المعلم شخص ذو مكانة اجتماعية , لا يجرؤ أي إنسان أيًا كان التطاول عليه ( طالب / ولي أمر / صحفي / ناقد / حاقد ) لأن وزارة التربية والتعليم قد كفلت له حقّه كاملًا غير منقوص , ينعم بمدرسة "جميلة نظيفة ومتطورة" يحوي كل فصل من فصولها أقل من ثلاثين طالبًا , لا تبعد عن منزله إلا دقائق معدودة , ثم يعود منها ليمضي ما تبقّى من يومه بين أهله وذويه.
أما المعلم في الوقت الحاضر شخص جُرّد من كافة الصلاحيات, فهو ممنوع من (( إيقاف الطالب / ضربه / تأنيبه / إخراجه خارج الفصل / خصم درجاته / تهديده بخصم الدرجات )) أُقحم بعد أن بُتر جزءًا كبيرًا من هيبته بين خمسون طالبًا أو يزيدون , فبات حائرًا بين تنظيم وإدارة هذا الكم الهائل من الطلاب , وإيقاظ النائمين على التُخت "في ظل إنعدام الهيبة والصلاحيات" وبين شرح الدرس في دقائق معدودة ثم يعود من مدرسته التي تبعد عن مقرّ سكنه الأصلي مسافة تتراوح ما بين (2/ 5 ) كم, ليقف منتظرًا لوسيلة مواصلات تقله إلى منزله بالساعات وبعدها يصل مهلهلًا من ذحام المواصلات ولكم أن تتصوروا ما لهذا الموقف من أثر نفسي سيء للغاية ومردود محبط لا يعرفه إلا من تجرّع مرارته وتلميذه يخرج من المدرسه منتظر السائق الخاص.
والطالب في الماضي شخص تغلب عليه البراءة , يُسمع لأسنانه اصتكاك مُزعج عندما تُذكر المدرسة في حضوره , فالمُعلم من أمامه , ووليُ أمره من خلفه , فويلٌ له ثم ويلٌ له إن ضرب بواجباته عرض الحائط , تتردد على مسمعه دائماً "لكم اللحم ولي العظم" فيحرص على الإهتمام , ويهرع إلى حلّ واجباته ومذاكرة دروسه بمجرد عودته إلى المنزل , فالملهيات قليلة إن لم تكن معدومة عند البعض , ناهيك عن الأدب الجمّ والخلق الرفيع . . فقد قيل "لن يتعلّم إلا راغب أو راهب" . . والرغبة مفقودة منذ الأزل"إلا من رحم ربّي" , فحلّت الرهبة محِلّها.
أما الطالب اليوم فهو شخص تغلب عليه "اللكاعة" , لا يجد في المدرسة إلّا مكاناً للنوم , ولا يرى في المُعلّم إلا وسيلة لمضيعة الوقت , وحُق له أن يفعل , فالماثل أمامه ممنوع من كل شيء , وليس لديه أي صلاحية تخوّله حتى للدفاع عن نفسه إلا في حال طرحه الطالب أرضاً عندها يُسمح له بالدفاع , والدفاع فقط يخرج الطالب من المدرسة بعد أُتخم بما لذ وطاب من مقاطع الفيديو التي تناقلها مع أصدقائه في المدرسة , ليأخذه السائق إلى المنزل , فيخلد إلى النوم عند الساعه الثانية ظهراً بعد وجبة دسمة قامت باعدادها الخادمة الكريمة .. ليصحوا عند الساعة الحادية عشرة ليلاً ويبدأ في جولته الإنترنتّية الفيسبوكية التي تنتهي ببداية الحصّة الأولى من اليوم التالي . فبعد هذه المقارنة المختصرة والتي تعمّدت فيها أن لا أطيل الشرح فيها , أترك لكم الحكم في تحديد مكمن الخلل.عندما يُركل المعلّم ذو الخمسون عاما بقدم أحد الطلاب إلى خارج الفصل من المسؤول عن هذا ؟
عندما يتكرّر تهجّم الطلاب على بعضهم البعض بالعصيّ والسكاكين و" السنج "أمام طاقم المدرسة من معلمين وإداريين دون أي اعتبار لأحد من هو السبب في ذلك ؟
عندما تتدخل رجال الأمن لفكّ اشتباك الطلاب الحاصل داخل المدرسة فمن المتسبب في ذلك ؟
هل هو المعلم الذي أريد له أن يكون بهذه الهوية ؟
أم هو الطالب الذي تُرك له الحبل على الغارب , فلم يعد هنالك ما يخشاه ؟
أم تراها وزارة التربية والتعليم التي جعلت التربية والتعليم بهذا القالب ؟
أم هو المجتمع ؟
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا رأيك فى موضوعاتنا .