لا أدري على وجه التحديد متى اندلعت الشرارة الأولى!
انطلقت السيارة تنهب الأرض؛ غادرت مقر الشركة في قلب الصحراء، لتنقلنا إلى أقرب نقطة على الطريق العام؛ نستقل منها السيارات ونعود إلى منازلنا، استسلم أغلبنا للنوم بعد يوم عمل شاق، هذه أول مرة أركب فيها السيارة، أخذت أتأمل أشجار السرو المبثوثة على طول الطريق، وقد شذبت في أشكال هندسية بديعة، ثم بدأ النوم يداعب أجفاني؛ لأفيق عند نهاية الرحلة على هرج شديد ولغط. حسبتني غارقًا في حلم ثقيل؛ وريثما استعدت كامل انتباهي، وأحطت بما حولي، كان كل شئ قد انتهى.
أطفأ المحقق سيجارته العاشرة؛ وهز كتفيه في ضجر، وهو يدون شهادة الأستاذ كامل زين المديرالجديد للتطوير والجودة، والتي لم تضِفْ جديدًا ينير أمامه السبيل. وقد كان يعول كثيرًا على شهادته؛ لعدم معرفته بطرفي النزاع من جهة، ولإحجام الكثيرين عن الشهادة من جهة أخرى، فضلًا عن تضارب أقوال البعض، واحتمال شبهة التحيز لهذا أو ذاك.
أعاد النظر في سطور الشكوى المقدمة إليه من أحد قدامى المديرين؛ يتهم فيها مهندسًا حديثًا نسبيًا، بالتعدي عليه بالسب والضرب داخل سيارة الشركة، لدى قفولهم من العمل ليلة أمس، الغريب أن المدير الشاكي معروف بالجفاء والغلظة، ومشهور بالصلف والغرور، ويتحاشاه الجميع لسلاطة لسانه وحبه للأذى، وشهوته في توقيع العقوبات على من تحت يده. وعلى النقيض كان المشكو في حقه دمث الخلق، يحظى بثقة رؤسائه لإتقانه العمل وأمانته، ويحبه العمال لتواضعه وقربه منهم وسعيه في مصالحهم.
وبينما كان يهم بصرفه استطرد الشاهد: - لا أدري السر وراء مسارعة بعض الناس إلى الضرب والشتم، لحل منازعات هينة، يمكن احتواؤها بقليل من الحكمة والكلم الطيب؟ ألا تتفق معي سيادتكم أن هذا أسلوب حيواني بدائي، لا يليق بالآدميين، ولا يمت بصلة إلى السلوك الحضاري؛ الذي قطعت فيه الإنسانية أشواطًا طويلة؟
إن الحيوانات وحدها هي التي تستخدم عضلاتها الرهيبة لتعض وتركل وتصيح و...
إلى هنا كان صبر المحقق قد نفد، وخشي إن تركه يسترسل أن يضيع عليه ساعة الراحة، فأشار إليه ليكف عن الكلام، ويوقع على أقواله.
بعد خروج الشاهد طلب المحقق استدعاء الشاكي فلما أبطأ عليه أمر السكرتيرة بمعاودة الاتصال به، ولبث مليًا ثم دخل الشاكي متورم العين وتحت أنفه آثار دم حديثة، جزع المحقق وسأله: - لا يمكن أن يكون هذا من أثر حادث الأمس؟
فأجاب في صوتٍ مبحوح: - بل حادث جديد توًا بسبب التنازع على مقعد في مطعم الشركة وقت الاستراحة.
- ومن فعل بك هذا؟
- لا أعرفه لكني سمعتهم يدعونه الأستاذ كامل زين!
أحمد عبد السلام - مصر
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا رأيك فى موضوعاتنا .