التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تطوير(قصة قصيرة) أحمد عبد السلام - مصر


لا أدري على وجه التحديد متى اندلعت الشرارة الأولى!
انطلقت السيارة تنهب الأرض؛ غادرت مقر الشركة في قلب الصحراء، لتنقلنا إلى أقرب نقطة على الطريق العام؛ نستقل منها السيارات ونعود إلى منازلنا، استسلم أغلبنا للنوم بعد يوم عمل شاق، هذه أول مرة أركب فيها السيارة، أخذت أتأمل أشجار السرو المبثوثة على طول الطريق، وقد شذبت في أشكال هندسية بديعة، ثم بدأ النوم يداعب أجفاني؛ لأفيق عند نهاية الرحلة على هرج شديد ولغط. حسبتني غارقًا في حلم ثقيل؛ وريثما استعدت كامل انتباهي، وأحطت بما حولي، كان كل شئ قد انتهى.
أطفأ المحقق سيجارته العاشرة؛ وهز كتفيه في ضجر، وهو يدون شهادة الأستاذ كامل زين المديرالجديد للتطوير والجودة، والتي لم تضِفْ جديدًا ينير أمامه السبيل. وقد كان يعول كثيرًا على شهادته؛ لعدم معرفته بطرفي النزاع من جهة، ولإحجام الكثيرين عن الشهادة من جهة أخرى، فضلًا عن تضارب أقوال البعض، واحتمال شبهة التحيز لهذا أو ذاك.
أعاد النظر في سطور الشكوى المقدمة إليه من أحد قدامى المديرين؛ يتهم فيها مهندسًا حديثًا نسبيًا، بالتعدي عليه بالسب والضرب داخل سيارة الشركة، لدى قفولهم من العمل ليلة أمس، الغريب أن المدير الشاكي معروف بالجفاء والغلظة، ومشهور بالصلف والغرور، ويتحاشاه الجميع لسلاطة لسانه وحبه للأذى، وشهوته في توقيع العقوبات على من تحت يده. وعلى النقيض كان المشكو في حقه دمث الخلق، يحظى بثقة رؤسائه لإتقانه العمل وأمانته، ويحبه العمال لتواضعه وقربه منهم وسعيه في مصالحهم.
وبينما كان يهم بصرفه استطرد الشاهد: - لا أدري السر وراء مسارعة بعض الناس إلى الضرب والشتم، لحل منازعات هينة، يمكن احتواؤها بقليل من الحكمة والكلم الطيب؟ ألا تتفق معي سيادتكم أن هذا أسلوب حيواني بدائي، لا يليق بالآدميين، ولا يمت بصلة إلى السلوك الحضاري؛ الذي قطعت فيه الإنسانية أشواطًا طويلة؟
إن الحيوانات وحدها هي التي تستخدم عضلاتها الرهيبة لتعض وتركل وتصيح و...
إلى هنا كان صبر المحقق قد نفد، وخشي إن تركه يسترسل أن يضيع عليه ساعة الراحة، فأشار إليه ليكف عن الكلام، ويوقع على أقواله.
بعد خروج الشاهد طلب المحقق استدعاء الشاكي فلما أبطأ عليه أمر السكرتيرة بمعاودة الاتصال به، ولبث مليًا ثم دخل الشاكي متورم العين وتحت أنفه آثار دم حديثة، جزع المحقق وسأله: - لا يمكن أن يكون هذا من أثر حادث الأمس؟
فأجاب في صوتٍ مبحوح: - بل حادث جديد توًا بسبب التنازع على مقعد في مطعم الشركة وقت الاستراحة.
- ومن فعل بك هذا؟
- لا أعرفه لكني سمعتهم يدعونه الأستاذ كامل زين!
أحمد عبد السلام - مصر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رحلة فى أعماق شاعر : الشاعر إيليا أبو ماضى بقلم محسن الوردانى

الشاعر اللبنانى إيليا أبو ماضى أحد أبرز شعراء المهجر فى القرن العشرين جاء إلى مصر عام 1902 بهدف التجارة والتقى بالكاتب اللبنانى انطوان جميل ودعاه انطوان للكتابة فى مجلة الزهور فبدأ فى نشر قصائد بالمجلة . صدر له عام 1911 ديوان      تذكار الماضى هاجر عام 1912 الولايات المتحدة وأسس الرابطة القلمية  مع جبران خليل جبران وميخائيل نعمه توفى سنة 1957 يقول ايليا أبو ماضى فى قصيدته ليس السر في السنوات قل للذي أحصى السنين مفاخرا     يا صاح ليس السرّ في السنوات لكنه في المرء كيف يعيشها     في يقظة ، أم في عميق سبات قم عدّ آلاف السنين على الحصى     أتعدّ شبة فضيلة لحصاة؟ خير من الفلوات ، لا حدّ لها ،     روض أغنّ يقاس بالخطوات كن زهرة ، أو نغمة في زهرة،     فالمجد للأزهار والنغمات تمشي الشهور على الورود ضحوكة     وتنام في الأشواك مكتئبات وتموت ذي للعقم قبل مماتها     وتعيش تلك الدهر في ساعات تحصى على أهل الحياة دقائق     والدهر لا يحصى على الأموات ألعمر ، إلاّ بالمآثر، فارغ                       كالبيت مهجورا وكالمومات جعل السنين مجيدة وجميلة     ما في مطاويها من الحسنات وهنا يتحدث إيليا ابو ماضى

ترجمة تلخيص مسرحية تاجر البندقيه * مع تحليل نقدى لابعاد المسرحيه بقلم د/ طارق رضوان

* ترجمة تلخيص مسرحية تاجر البندقيه * مع تحليل نقدى لابعاد المسرحيه بقلم د/ طارق رضوان في مدينة فينيسا "البندقية" بإيطاليا، كان اليهودي الجشع"شيلوك" قد جمع ثروة طائلة من المال الحرام..فقد كان يقرض الناس بالربا الفاحش..وكانت مدينة البندقية في ذلك الوقت من أشهر المدن التجارية، ويعيش فيها تجار كثيرون من المسيحيين..من بينهم تاجر شاب اسمه"انطونيو". كان "انطونيو"ذا قلب طيب كريم..وكان لا يبخل على كل من يلجأ إليه للاقتراض دون ان يحصل من المقترض على ربا او فائدة.لذلك فقد كان اليهودي "شيلوك"يكرهه ويضمر له الشر بالرغم مما كان بيديه له من نفاق واحترام مفتعل. وفي اي مكان كان يلتقي فيه "انطونيو"و"شيلوك"كان "انطونيو"يعنفه ويوبخه، بل ويبصق عليه ويتهمه بقسوة القلب والاستغلال.وكان اليهودي يتحمل هذه المهانه، وفي الوقت نفسه كان يتحين أيه فرصة تسنح له للانتقام من "انطونيو". وكان جميع اهالي "البندقية"يحبون "انطونيو" ويحترمونه لما عرف عنه من كرم وشجاعة ،كما كان له أصدقاء كثي

قصيدة (الكِرْش.. بين مدح وذمّ!)

• الكِرْشُ مفخرةُ الرجالِ، سَمَوْا به ** وتوسَّدوه، ووسَّدوه عيالا • خِلٌّ وفيٌّ لا يخونُ خليلَهُ ** في الدرب تُبصِرُ صورةً وخيالا = = = = = - الكِرْشُ شيءٌ يا صديقُ مُقزِّزٌ ** وصف البهائم، لا تكنْ دجَّالا! - وكـ "واو" عمرٍو للصديق ملازمٌ ** قد أورَثَ الخِلَّ الوفيَّ ملالا! = = = = = • يا صاح ِ، إنّي قد رضيتُ مشورةً ** إنّ المشورة ليس تعدلُ مالا • مَن للعيال مُداعِبٌ ومُؤانِسٌ ** مَن غيرُه سيُأرجِحُ الأطفالا؟ • مَن لـ "المدام" إذا الوسادُ تحجَّرتْ ** يحنو عليها خِفَّةً ودلالا؟ • مَن للطعام إذا ملأتم سُفْرةً ** حمَلَ البقيَّةَ فوقه، ما مالا؟ • مَن تستعينُ به لإطرابِ الألى ** غنَّوْا، وطبَّلَ راقصًا ميَّالا؟ = = = = = - أضحكتني؛ إذ كان قولُك ماجنًا ** وظهرتَ لي مُتهتِّكًا مُحتالا! - لكنَّه عند التحقُّق عائقٌ ** وقتَ الجهاد يُقهقِرُ الأبطالا - إنَّ النحافة في الوغى محمودةٌ ** والكِرْشُ ذُمَّ حقيقةً ومقالا - إذ صاحبُ الكرش ِ العظيم ِ لُعابُه ** إنْ أبصرَ الأكلَ المُنمَّقَ سالا = = = = = • هَبْ أنَّ ما حدَّثتني به واقعٌ ** ما ضرَّه لو